كتاب الموقعنوافذ

النأي بالآلام !

النأي بالآلام ! … “من يطلب حصاناً من البيت الأبيض لن يحصل على غير الرسن !”

هذه العبارة كتبتها  قبل عشرين عاماً، عندما بدأت اتفاقات أوسلو. وكنت دائماً وأبداً، في الصف الفلسطيني الذي يبحث، بكل الأشكال، عن حل للقضية الفلسطينية، من السلاح إلى المفاوضات. لكن الولايات المتحدة لا تتوخى العدالة، بل تتبنى المصالح. ولا تضغط على إسرائيل، بل تعتصر العرب. وها نحن بعد عشرين سنة نجد ما نراه أمامنا من خيبات وفشل وتراجع، في حين تكاد تنتهي الـ 19 % من بقايا فلسطين إلى مستوطنات والنصف الفلسطيني الموجود إلى لاجئين في أرضهم.
………………..
عندما كتبت هذه العبارة، مرة أخرى، على الفيس بوك، فوجئت بأصدقاء عمر، وأصدقاء نصف كم، ومستجدين في اكتشاف النضال عن بُعد، بموقفهم من العبارة، التي انفهمت، وعن حق، بأنها موجهة ضد من يستدعي الغزاة، بعد أن أصبح الغزو الصاروخي الأمريكي قاب نقاشين في الكونغرس والجيوش، أو أدنى .
وبعيداً جداً ذهب الذين يستدعون التدخل الأجنبي… فقالوا: ” هذه وطنية بائدة” و “قومية منقرضة” ولا ترى العصر الجديد وخارطة القوى. ولا تنظر إلى فداحة ما يجري في سورية مما يستدعي الغزو لوضع حد لنظام متوحش، وصولاً إلى الكيميائي…
وهكذا أصبحت أمريكا وحلفاؤها، ضمناً إسرائيل، سفينة إنقاذ جماعي لسورية المنكوبة. ومن يتخلف عن ركوبها (آسف)… جحش !
وبعيداً أكثر ذهب هؤلاء بإنشاء تصنيف غريب وإرهابي من نوع جديد : إما أن تكون مع الغزو أو أنت من أنصار الكيماوي!
وقد احتل هذا التصنيف المكان الآخر لتصنيف أقدم:
إما مع الثورة أو النظام. والأخطر هو الفرز الذي يجعل من صامتي الشعب السوري العاديين، الذين يحبون بيوتهم وقراهم وأهلهم وسلامهم الإبتدائي، الفرز على أساس الطائفة والمذهب والعرق، والجهة الجغرافية أيضاً.
ليس  “تأييد” الغزو أو ” تأبيد” النظام هو ما تجب مناقشته في أي مكان، وأي مستوى، وأي اصطفاف… بل ما بعد الغزو: نتائجه الفورية، ومفاعيله اللاحقة، وخسائره البشرية…(ليس هناك عملية بهذا المستوى لا تنطوي على مشروع كبير لصاحبها).
المرعب أن تجربة العراق أمامنا، بعد عشر سنوات لم يبق في العراق شيء غير الرعب، والدمار.
والديمقراطية، والحرية، هي انقسام طوائف وعشائر، وجغرافيا. وفوقها مليون قتيل و 5 ملايين مهاجر.
وبعيداً عن كل ذلك…
ليس هناك ما يبرر الغزو: لا معاقبة النظام، ولا ردع الكيماويين الجدد على طريق الحروب القادمة، ولا القيم الأخلاقية الأمريكية، ولا نشر الديمقراطية… المبرر الحقيقي هو اصطدام نفوذ دولي قيد التشكل. ولذا نرى اللاعبين كلهم من الأوزان الثقيلة، وعضلات مستقبل اللعبة !
المسعى البديل لكل هذه الطبول… هو الاتفاق على حل سياسي.
فالسلميون السوريون يريدون ذلك، والمحاربون السوريون لا يستطيعون عصيان إرادة الأوزان الثقيلة.
الحل السلمي هو الصعب ولكنه الممكن. اما الحل الآتي من خراب الغزو فسيكون مستحيلاً إلا بعد أن يكون التعريف الوصفي لميدان المعركة: نهاية السوريين وسورية. عندئذٍ هناك :” حل الأنقاض” الذي لا نظام فيه، ولا ثورة فيه.
سيكون هنالك حارات، وزواريب، وأشباه مدن. وإذا تحولت الحرب إلى المستوى الإقليمي… فلا أحد بوسعه أن يخطط لنهايتها. والوصف الوحيد لها هو “يوم قيامة” في الشرق الأوسط الذي لا اسم جديداً له. ولن يكون له اسماً جديداً.
“الحداثة” في السياسة، لم تبرز في الحالة السورية، إلا في المشهد الغريب: تجمع الليبراليين، والثوريين، والمتدينين، والماركسيين، والتكفيريين، والأفراد الهامشيين، والمسلحين، وكل من تأذى من هذا النظام…. تجمّعهم حول تأييد الغزو .
إذن…
فلتتنح جانباً أيها الأعزل من الرأي، والموقع ، والرؤية ، تاركاً للصواريخ الذكيـة أن تنجز ما عجز عنه العباقرة السـوريون بالسياسات الغبيّة !

 

05.09.2013

بوابة الشرق الاوسط الجديدة 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى