عن السلاح… مرة أخرى

ـ السلاح الحقيقي… لا يستورد ! ـ
لأني صياد أعرف معنى التسلح .
ارتكبت حماقة يوماً بأن اشتريت بندقية أوتوماتيكية بخمس طلقات ، في بلد مثل سورية ،  يمر في سمائها مئة ألف طائر غريب، وتحت كل طائر مهاجر غريب… بندقية.
هذا، فيما بعد، كان يعني أن أسرف في الذخيرة. وأن أطلق على أي جناح طائر خمس طلقات، وأن أعتمد على غزارة النيران، بدلاً من التصويب، وأن أجرح بدلاً من أن أقتل. وأن أتسبب في نهاية المطاف، سنة وراء سنة، بتكوين ذاكرة جماعية عند الطيور، جيلاً وراء جيل، مفادها:
أيتها الطيور لا تمري من هنا. فسورية بلد الطلقات وليس بلد التغذية والتكاثر!
الذي هرّب لي البندقية ضابط.
والذي هّرب الخرطوش ضابط صف.
والبائع من شتورة ، أو بر الياس في لبنان.
والبندقية التي اقتنيتها من صنع وادي خالد ” وليس إيطاليا”، كما ورد في شهادة بلد المنشأ… فانفجرت بعد خرطوشتين، ولم أمت !
كان قرار بعض الدول بتسليح المعارضة السورية  يشبه هذه المقدمة…ولكن ثمة شيء لم يكن مفهوماً في ذلك الوقت أبداً :
المزيد من السلاح يعني المزيد من القتل، والمزيد من الثأر والكراهية، يعني الحرب الأهلية في نهاية المطاف! وكان واضحاً، منذ القتيل الاول، في المظاهرة الاولى، أن النظام السوري سيدافع عن نفسه، و ستكون معركة غير متكافئة بينه وبين المسلحين،  حديثي نعمة الذخيرة الغزيرة. وإذا تكاثر المسلحون … سيتناقص عدد المدنيين والمدنية. وإذا اشتد الطلب على السلاح سيزداد عدد تجار السلاح. وإذا اشتبك الجميع الخائف مع القليل المخيف، ستنشأ و”تتهاجر” تجمعات السكان، حسب الفئات الطائفية، والانتهاكات اليومية، ولا شيء، ولا قوة، لا إرادة… عندئذٍ ستمنع التزوير:
التحول من انتفاضة شعبية، ذات مطالب، إلى حقل من الرعاع، في كل الاتجاهات،  يفرض “حق القوة بدلاً من قوة الحق.”
لفت نظري، من اللحظة الأولى، و بمجرد أن طرحت فكرة تسليح المعارضة، لفت نظري … هذه العمليات الانشقاقية ،  والخلافات بين أطراف متعددة… ظهر منها، على الأقل أربعة: المجلس الوطني. الجيش الحر. المجلس العسكري. انشقاق العشرين من المجلس الوطني… وكلهم أصبحوا رعاة لقضية التمويل والتسليح بمجرد أن ” أطلت الدراهم برأسها” على حد قول عمر بن الخطاب لواليه حينما بلغه أن هذا الوالي قد بنى قصراً في الكوفة !

كنت أقول بضمير لا يتجاهل العنف الأول المدان ( من السلطة والمعارضة) :

التسليح والتسلح والاسلحة… هوالتصنيع لنموذج ليبي يجعل من سورية بلداً “كان ” إلى بلد من “غابر الأزمان”. وكان يحزنني أن “الجنرالات العسكريين ” ينهزمون في الحروب، أحياناً، على الحدود، ولكن ” الجنرالات المدنيين” ، دعاة السلاح، تطويراً أو توريطاً للانتفاضه، سوف ينهزمون داخل الحدود!
التسليح والتسلح والأسلحة …. يعني، في كل لغات الصراع السياسي، وفي التاريخ، وفي تقدير الموقف على الأرض السورية… يعني الحرب الأهلية .. باستدراج الغزو الخارجي ، في لحظة  ما ، او بدونه !
و… نقطة على السطر !
هل مايزال السوريون قادرون على تفعيل مدنيتهم وتمدنهم ، مرة أخرى ، فيذهبون الى لغة أخرى ،غير لغة السلاح ، الذي استوردوه … إلى لغة اللغة في أبجديتهم التي اخترعوها !

5.11.2013

بوابة الشرق الاوسط الجديدة