لا شيء خاطىء تماماً…!
ـ قل كلمتك بنصف كلمة…ثم امض.
سوف يلحقك المفسرون إلى الجحيم!ـ
….
لا شيء خاطىء تماماً…!
ولكنّني أحلم بالبحر
فعلّمني كيف أسير إلى البحر
وكيف ، خفيفاً، أخطو فوق البحر
وكيف يصير البحر وسادة حلمي، وأصير له كفناً،
علمني. قل لي…
ـ ليس البحر بعيداً. لكنّك تلهو بالأسماء
وتعكر ظلي .
ثم بصوت حاف قال : البحرُ سرابٌ مملوءٌ بالماء.
……………….
هذه قطعة من تأمل الشاعر طاهر رياض. وأنا باعتباري أسوأ من يكتب عن أصدقائه الشعراء، سوف أنطق عن الهوى، في الحديث عن ديوانه “ينطق عن الهوى”.
دائماً، وراسخاً أقول:
“ليس هناك شعر…هناك شاعر”.
ثمة منطقة تنتج الضوء وتحوله إلى الظلال البديعة، في قلب وروح الشاعر، وبدونها لا يمكن العثور على الشعر في الكلام المصفوف أو المسبوك أو المنظوم.
الشعر ليس صنعة ، بل صيغة تأتي من اكتمال منطقة الشعر في الشاعر، بالذهاب إلى منطقة الحزن والفرح، الحب والنزوع إلى الجمال… في الحياة .
لذلك يولد، فوق الأوراق، آلاف الطيور الملونة، ويبقى، في رحلة البحث عن الشعر في عالم واسع، بعض خفقان هذه الأجنحة.
إننا عبر الشعر نستطيع القيام بأصعب شيء وهو الاستجواب الحائر لذاتٍ يصنعها عالم خارجي شديد الإثارة. إنه الشعر الذي يشبه المادة المصنوعة من نقيضها، كالبرق الذي يأتي من نقيضه… الغيوم !
الشعر استدعاء للظواهر، في أبهى تجلياتها المربكة… الانطباعات الجمالية عن عالم موحش !
طاهر رياض، منذ أولى تجاربه، تحسّه كشاعر… وتتعاطى الصداقة معه كشاعر…وهو يحب ويعيش ولا يكره (طبعاً)… كشاعر ! ويمكنك العثور عليه “صدفة” في مكان ما ، و “قصداً” في …ديوان ما !
ولذلك لن أستغرب محاولاته الدائمة للانضباط من أجل تلك القاعدة الذهبية في إنتاج النص: “عليك أن تصوغ القصيدة بالطريقة التي تقصّ فيها لؤلؤة… بحيث لا تترك أثراً لأدواتك.”
و” يجب أن ترنّ القصيدة في داخلك… زمناً طويلاً وعميقاً، قبل أن تكتبها”.
مُنع الديوان في الأردن، بسبب العنوان فقط. علماً بأن الذي ينطق عن الهوى…هو الشاعر، وليس ثمة خشية من الظنون بأنه الله أو النبي. ولكن، في المكان المخصص لشراهة “لا ” الفاتحة الفم دائماً للرفض، درءاً للاحتمالات، يوجد رجل في زاوية ما.. في أفغانستان: رجل يقتل زوجته الشاعرة ، لأنها احتضنت ديوان شعر. والشعر ذكر والاحتضان زنى ! هل تتخيلون؟
طبعاً قبل أفغانستان، وبعد أفغانستان ظل الدين شاهراً سيفه الصدىء، والمحكمة، إن انوجدت، مؤلفة من نص شرعي بائت منذ آلاف السنين. حيث لم يكن، زمن النبوات، قد تعرف على الإنترنت، ليحاسب زمن الصحوات على دخول فتاة إلى عالم النت، كما حدث لفطوم الجاسم، التي رجموها بالحجارة في إفغانستان سورية اليوم !
طاهر رياض، أيقظ لدي اليوم الرغبة في الكتابة عنه مرة أخرى، لأن الشعراء ـ هذه الأيام ـ يموتون بمعدلات لافتة . ففي أسبوع واحد مات ثلاثة : جوزف حرب ،أنسي الحاج، حسين حمزة. وثمة من الكهول من يقف الآن على شرفة التأهب للغياب.
كأنما الشعراء، ليسوا كغيرهم من الموتى الذيم يموتون يومياً، عبثاً، في ميادين القتال الأهلي...”العالم صار ذباباً يحوم حول جثث” !
الشعراء يتدربون دائماً على… قبورهم قبل معركة الأفول !
22.02.2014