أمريكا ليست إلهاً (نضال سعد الدين قوشحة)

نضال سعد الدين قوشحة

لا يختلف إثنان على أن أمريكا هي دولة عظمى ، وهي حتما الدولة الأقوى في العالم عسكريا وإقتصاديا ، وسواء أحببنا هذه الدولة ( الولايات المتحدة الأمريكية ) أم لا فهذه حقيقة راسخة .
شخصيا ، لا أحب أمريكا سياسيا ، وأراها تشكل صنوا وشريكا كاملا ، لأكبر كيان سياسي إجرامي في العالم ، وأقصد به إسرائيل . كونها تشابه وضع إسرائيل تماما ، بل إن خطر أمريكا أكبر ، كونها تحتل ليس الأوطان فقط ، بل أيضا الثقافة والعلم والفن والتجارة عن طريق حربها العصرية الهمجية الحديثة ، العولمة .
أمريكا نظام سياسي ، يريد المال فحسب ، مهما كانت كلفة ذلك من حروب وآلام ، تقع على الغير ، ضاربة بعرض الحائط كل القيم القانونية والأخلاقية التي أوجدتها الشرائع السماوية أو الوضعية .
ولقد كان لأمريكا دور كبير في محاربة العديد من حركات التحرر العالمية ، سواء في أمريكا اللاتينية أو الشرق الأقصى أو أفريقيا . وكان لها اليد الطولى ، بتنصيب حكام مزيفين ، متسلطين ، حكموا شعوبهم بالحديد والنار . ولا شك في أن حكام الأرض جميعا ، حتى في أوروبة القوية ، يريدون رضى البيت البيض لما يمتلكه من دور حاسم على ساحة السياسة الدولية .
أمام هذا الواقع وأمام جبروت هذه الدولة الظالمة، اعتقد البعض أن ما يحدث في أي مكان في العالم لابد أن يكون بمشيئة أمريكية . فهي من تخطط وتنفذ سراً وعلناً. وبدهي أن هذا الكلام صحيح ولكن ليس مطلقا ، فهناك أمور تفرض على أمريكا ، وتخونها كل قوتها ومقدراتها وأساليبها القذرة في التحكم بها ، والتاريخ السياسي القريب يحمل لنا العديد من الأمثلة. ففي العام 1956 شنت دول ثلاث هي بريطانية وفرنسة وإسرائيل عدوانا ثلاثيا على مصر ، وكان هذا الأمر خارج الإرادة الأمريكية، بل إنها مارست مع الإتحاد  السوفييتي الضغط على هذه الدول لإنهاء العدوان. كذلك فإن التاريخ الأحدث يخبرنا عن كارثة أمنية وسياسية حلت بأمريكا ، دفعت بعض أعلى القيادات الأمنية بشأنها الكلفة الوظيفية ، هذا الحدث كان باختراق الهند و باكستان لحظر السلاح النووي . فقد ظهر أن أمريكا بكل قواها، لم تعلم أن كلتا الدولتين قد تحقق لها وجود هذا السلاح وفرضت بالتالي وجودهما رغم أنف أمريكا داخل النادي النووي .

إذا ، يمكن لأمريكا أن تفشل في أمر ما ، ويمكن أن يفرض عليها شيء تكون السيطرة عليه بعيدة عنها. كما فعل  حزب الله خلال حرب تموز 2006 حينما هزم إسرائيل سياسيا وعسكريا رغم الدعم الأمريكي الكامل لها .
على أن المثال الأهم والأوضح في شأن العجز الأمريكي تجلى في عدم قدرتها على التحكم بثورات الربيع العربي .
كثيرة هي وجهات النظر التي تابعت المد الثوري للربيع العربي، كان من أغربها، أن هذه الثورات العربية ، هي صنيعة أمريكية بإمتياز. والسبب، أن أمريكا تريد وقف هجرة المسلمين المتشددين إليها، الذين يهربون من حكامهم الطغاة، فالخطة الأمريكية حسب هؤلاء، بأن تطيح بهؤلاء الحكام ، وتبقي على هؤلاء المتشددين في أوطانهم .
والحقيقة، أن أقل ما يمكن أن يقال في هذا الرأي أنه فارغ ، فمن ينظر بعمق إلى الموضوع ، سيجد بأن خسائر أمريكا في الإطاحة بهذه الأنظمة لا تعوض . ألم تقل السياسة الأمريكية والإسرائيلية مرارا بأن الريس مبارك هو كنز إستراتيجي لسياستهما في المنطقة، وكذلك الأمر بالنسبة لزين العابدين بن علي الذي كان صنيعة المخابرات الأمريكية بالتجسس على الإتحاد السوفيتي، من يوم كان سفيرا لبلاده في أوروبة الشرقية .
أمريكا ليست دولة حرة كما تدعي ، وهي القائمة على احتلال وطن الهنود الحمر ونسف وجودهم حتى على المستوى العرقي ، وهي في مسعاها النهائي، الدولة الرأسمالية في أعتى حالاتها، وهي لا تنظر باحترام لأي فكر تحرري في العالم ، لذلك فقد حاربت هذا الفكر في كل إتجاهاته، الدينية في الإسلام، وكذلك في الماركسية . وثورات الربيع العربي ، لا تحمل أفكار الثقافة الأمريكية. لذلك فمن المفترض أن أمريكا ستكون ضد هذه الثورات ولو أظهرت خلاف ذلك .
إن النظر لحركة الثورات العربية على أنها صنيعة أمريكية ، فيه إهانة لطاقات هائلة في الشعوب العربية . فالموضوع لا يعدو كونه ، أن شعوبا متعددة فيها الكثير من الطاقة والطموح ابتليت بمجموعة من الحكام وبدعم أمريكي ، تسلطوا عليها، فنهبوا مقدراتها وحولوها لمزارع شخصية لهم ولأتباعهم ، وأقاموا فيها ممالك الصمت والرعب. فاستكانت الشعوب ظاهريا ، وبدأ خزان الغضب بالإمتلاء ، الذي نال كل سعته خلال العشرات من السنين ، فجاءت شرارة البوعزيزي في تونس التي ألهبت الثورة في بلده وخارجه .
طاقة الصبر عند الشعوب العربية قد نفذت ، و لأن حجم الخلل والفساد كان كبيرا ، كانت الثورة كبيرة وقوية ، اعتمادا على قانون فيزيائي معروف يقول أن كل فعل يعاكسه فعل آخر يساويه في القوة و يعاكسه في الاتجاه .
الشباب العربي ، بكل طيفه ، يغلي بالمعرفة والطموح ، والرغبة بتحقيق حلمه في وطن أفضل ، لكنه اصطدم بحاجز ضخم وقوي من حكام طغاة ، فكان لابد من إزاحتهم رغما عن أنف من يدعمهم و أولهم أمريكا التي هي دولة في نهاية الأمر وليست إلها . فعندما تهدر أصوات الشعوب لا شيء يوقفها .