أنا أحـب المجـدرة !

ها أنذا أحدث نفسي كما يصنع الإنسان الوحيد حين لا يجد من يصغي إليه فيعزي نفسه أنه من الممكن أن هناك من لا يزال يقرأ و يفهم قراءته جيدا .. فأقول .. لقد عشت يا رجل ما يقارب التسعين عاما و أنت تناضل بكل الأساليب المعقولة في سبيل الإقتراب ( ولا أقول الوصول ) من عالم تسوده العدالة و الحرية الفكرية في بلادك للمواطن الفرد بشكل خاص كما للأحزاب و المؤسسات الإجتماعية التي لا تخالف بالطبع الدستور المتفق عليه جميعا ، و دخلت السجن ثلاث مرات ، واحدة في زمن الحكم الناصري و دامت تسعة أشهر ، و الثانية في مطلع عهد الإنفصال و دامت ثلاثة أشهر و الثالثة في لبنان و دامت بضعة أيام طردت بعدها إلى بلادي “سوريا” بسبب قصيدة ألقيتها هناك بطلب من لجنة لبنانية لم تعجب المشرفين على الأمن هناك..

كنت تمني نفسك دوما أن “الديمقراطية ” سوف تنتصر ذات يوم قريب تكون فيه ما زلت على قيد الحياة .. و ها تتوالي على بلادك الإنقلابات العسكرية و تصبح الديمقراطية حلما مستحيلا و ها هو وطنك الحبيب يتعرض لوباء التفتيت إلى أوطان صغيرة متباعدة كما ترغب و تريد إسرائيل تماما !

فماذا يطبخون لسوريا الأن و قد تدمرت و خلت من سكانها تقريبا فما عساك تقول ؟ …

ألهذه الخاتمة يا أستاذ شوقي سوف تنحدر إلى حفرتك كما ينحدر كل شيء في البلاد إلا أسعار المواد في السوق التجاري التي تتضخم لملء الجيوب التي لا تشبع ؟!

ها أنت وحدك الأن تندب الجنة التي وعدوك بها الشتراكيون و الشيوعيون في بلادك كما في الإتحاد السوفياتي رائد الإستبداد الوحشي تحت عباءة العدالة الإجتماعية الكاذبة و المزاعم السخيفة عن المستقبل المشرق الذي سيسود العالم أجمع بعد الإنهيار القريب للنظام الرأسمالي!!

من أنت الآن بعد كل هذا الخداع ؟.. مجرد عجوز بائس محني الظهر تتعثر في مشيتك و لا تملك من المال إلا كفاف الكفاف كي تعيش أنت و أسرتك … في حين “الوغد” قد صار مليونيرا… و ذلك التافه مليارديرا ، و ثالث ، و رابع ، و خامس من العسس أو الشطار المخبرين زعماء سياسيين أو قواد ميليشيات وافرة العدد و العدة.

أكتب هذه الأسطر المحنية الظهر في غرفة صغيرة أبصر من خلال زجاج نافذتها شروق الشمس التي سوف تحرقنا بحرارتها المرتفعة و نحن في أواخر أيلول “سبتمبر” بعد قليل سوف أنهض كي أمضي إلى السوق كي أشتري ما تطلبه أو تتمناه زوجتي الوفية لمطبخها البائس و لكن هيهات …هيهات…فكيلو لحم الغنم بسبعة إلى ثمانية ألاف ليرة سورية و كيلو العنب بثمانمئة و خمسين و الأرز و السمن و الزيت و غيرها من ملذات و مسرّات صارت تكلف أكثر من عشرة رواتب تقاعد من الرواتب القديمة و هكذا صرت أقول لزوجتي كلما حلمت بطبخة من طبخات زمان أول :(( أجليها اليوم يا أم أولادي … وأطبخي لنا مجدرة و كتري البصل فيها …أنا أحب المجدرة جدا …جدا..!..)).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى