أنقرة تغازل مصر بعد فرنسا للتغطية على سياسة التمدد

 

وجهت أنقرة في مناورة سياسية جديدة أسلوب المغازلة إلى مصر بعد فرنسا في محاولة لتلافي عزلتها المتفاقمة والتغطية على مخططاتها التوسعية، حيث بدت مؤخرا أكثر هدوءا تجاه دول أوروبية وغربية وعربية رافضة لسياساتها الاستفزازية وانتهاكاتها في أكثر من منطقة، لكن هذه المناورة لن تنجح حتما مع دول لطالما طالبت بأفعال تترجم التصريحات التركية الهادئة على أرض الواقع.

وفي هذا الإطار ثمّن وزير الدفاع التركي خلوصي أكار السبت، احترام مصر للجرف القاري التركي خلال أنشطتها للتنقيب شرقي المتوسط، مؤكدا أن ذلك تطور هام.

وقال أكار إن تركيا ومصر لديهما قيم تاريخية وثقافية مشتركة، معربا عن ثقته بأن تفعيل هذه القيم يمكن أن ينعكس على حدوث تطورات مختلفة في الأيام المقبلة.

جاء ذلك في كلمة لأكار خلال إشرافه على مناورات بحرية للقوات التركية انطلقت ببحري المتوسط وإيجة في 25 فبراير/شباط الماضي وتختتم فعاليتها الأحد.

وحضر أكار وكبار المسؤولين العسكريين السبت المناورات في بحر أيجه على متن سفينة الاستكشاف “عروج ريس” التي تعد في قلب النزاع مع اليونان على خلفية احتياطات الغاز الطبيعي المتنازع عليها.

وتأتي المناورات البحرية فيما لا تزال الخلافات العميقة عالقة بين أنقرة وأثينا بشأن أنشطة التنقيب التركية غير القانونية في مياه شرق المتوسط.

ونشرت تركيا عروج ريس وسفنا حربية في المياه المتنازع عليها العام الماضي ومددت مهمتها عدة مرّات رغم دعوات اليونان والاتحاد الأوروبي لها للامتناع عن ذلك.

وأكد أن القرار المصري المتمثل باحترام الصلاحية البحرية التركية بالمتوسط، يصب كذلك في مصلحة حقوق ومصالح الشعب المصري.

وتأتي تصريحات أكار بينما تسعى أنقرة التي تواجه عزلة متفاقمة بسبب معارضة دولية واسعة لنهجها الاستحواذي في منطقة الشرق الأوسط ومياه المتوسط وجنوب القوقاز، إلى مغازلة دول، من بينها مصر، ترفض بشدة نفوذها المتمادي وتنادي باتخاذ إجراءات صارمة لكبح الأنشطة التركية.

وأعرب أكار عن اعتقاده بإمكانية إبرام اتفاقية أو مذكرة تفاهم مع مصر في الفترة المقبلة، بما يتماشى مع اتفاق الصلاحية البحرية المبرم مع ليبيا، المسجل لدى الأمم المتحدة.

وترفض مصر أنشطة تركيا المزعزعة لاستقرار المنطقة بما فيها التدخل العسكري التركي في كل من سوريا وليبيا وأنشطة التنقيب غير القانونية في مياه بشرق المتوسط تعد محل نزاع محتدم بين أنقرة وأثينا.

وأوضح أكار أن وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، يواصل الأعمال اللازمة بالتنسيق مع المؤسسات والمنظمات والوزارات ذات الصلة في هذا الإطار.

وفي 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2019 وقع الرئيس رجب طيب اردوغان، مذكرتي تفاهم مع رئيس الحكومة الليبية فائز السراج، الأولى تتعلق بالتعاون الأمني والعسكري، والثانية بتحديد مناطق الصلاحية البحرية، بهدف استثمار الحرب الليبية في توسيع النفوذ إلى مناطق شمال إفريقيا الغنية بالمحروقات والاتجاه نحو بلدان إفريقيا الوسطى من بوابة ليبيا، وهو ما ألب المجتمع الدولي على أنقرة وفاقم عزلتها.

وكان اردوغان قد أظهر خلال الفترات الأخيرة ليونة تجاه الاتحاد الأوروبي وخفض التصعيد في مياه شرق المتوسط وأدلى بتصريحات هادئة تجاه القادة الأوروبيين وخاصة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في خطوة تهدف لتجنب عقوبات أوروبية تعمق أزمة الاقتصاد التركي بعد أن هددت بروكسل مرارا باعتزامها اتخاذ إجراءات صارمة بشأن الانتهاكات التركية.

لكن فرنسا ردت مؤخرا على سياسية المغازلة التركية، بالقول ” رغم توقف تركيا عن إهانة باريس والأوروبيين وقمت بعض التطيمنات فنحن بحاجة لأفعال تضمن تراجعها عن انتهاكاتها في المنطقة.

وقال وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان الخميس إن تركيا توقفت عن إهانة فرنسا والاتحاد الأوروبي وقدمت بعض التطمينات، لكن العلاقات ستظل هشة حتى تقوم أنقرة بعمل ملموس.

وتوترت العلاقة بين باريس وأنقرة أواخر العام الماضي وبلغت إلى حد التراشق بالألسنة بين ماكرون واردوغان خصوصا بعد التصريحات الفرنسية المسيئة للنبي، فيما تنتقد فرنسا بشدة الرئيس التركي على خلفيته تدخلاته العسكرية وانتهاكاته المتصاعدة في مياه شرق المتوسط.

وسبق للقادة الأوروبيين أن أكدوا أن تطمينات تركيا لا تفي، فالأمر يحتاج إلى قرارات واقعية تثبت النوايا الحسنة التي يزعمها الرئيس التركي، مشيرين إلى الاتحاد الأوربي لطالما عانى من تقلبات اردوغان ونقضه لتعهداته.

ويأتي هدوء أنقرة في إطار لعبة المصالح في محاولة لكسب الوقت، إذ من المستبعد أن تتخلى أنقرة عن سياسة الاستحواذ وتوسيع النفوذ في المنطقة وعما تعتبره “حقا مشروعا” بخصوص أنشطة التنقيب عن المحروقات في مياه المتوسط.

وبدأت أنقرة مناورات عسكرية ضخمة أطلقت عليها “الوطن الأزرق” منذ العام 2019 لاختبار قدراتها القتالية في أيجه والمتوسط، لكنها اضطرت لإلغائها العام الماضي بسبب وباء كوفيد-19.

وقال إردوغان إن مناورات العام الجاري التي بدأت منذ 27 فبراير/شباط وتستمر حتى الأحد “أقوى وأكثر تنظيما”، فيما تستنكر دول الاتحاد الأوروبي تلك المناورات الاستفزازية في مياه شرق المتوسط.

وتابع “لدينا فرصة للاطلاع على معرفة وإمكانيات جيشنا الباسل”. وقال “لا نطمع في أرض أو بحر أو سيادة أي دولة. نحاول فقط حماية وطننا وحقوقنا، مؤكدا أن أنقرة ستقوم بذلك “مهما كان الثمن”.

وعن الأزمة القبرصية أكد أكار أن قبرص تعد قضية وطنية لتركيا، معربا عن رفضه تحريف سبب الوجود العسكري التركي بالجزيرة عن سياقه.

وبينما ترفض اليونان وأوروبا التدخل العسكري في قبرص، أضاف أكار أن القوات المسلحة التركية موجودة في قبرص ضمن أطر القانون الدولي.

وشدد أن التصريحات الصادرة من اليونانيين والقبارصة الروم الرامية لتحريف الحقيقة عن الوجود التركي بالجزيرة لن تفيد اليونان وقبرص الرومية.

ودعا أكار القبارصة الروم إلى تقبل الوجود التركي في الجزيرة، مؤكدا أن القبارصة الأتراك يمتلكون سيادة وحقوق متساوية معهم في الجزيرة.

كما أكد الوزير التركي أن الحل الوحيد لأزمة قبرص يمر عبر حل الدولتين، تركية في الشمال، ورومية في الجنوب.

وأضاف “نتوقع من الاتحاد الأوروبي أن يتوقف عن انحيازه في هذه القضية، وأن يساهم في حل المشكلة كوسيط”.

وتشهد منطقة شرقي البحر المتوسط توترا إثر مواصلة تركيا اتخاذ خطوات أحادية في جزيرة قبرص وبعض بلدان المنطقة بخصوص مناطق الصلاحية البحرية.

كما تتجاهل أنقرة التعامل بإيجابية مع عرض الاتحاد الأوروبي واليونان للتفاوض حول المسائل المتعلقة بشرقي المتوسط، وبحر إيجة، وإيجاد حلول عادلة للمشاكل.

ميدل إيست أونلاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى