أنقرة لواشنطن: «المنطقة الآمنة» تحتاج إلى الثقة
طالبت «الإدارة الذاتية في مقاطعة عفرين»، في بيان لافت، الدولة السورية بالدفاع عن المنطقة في وجه العدوان التركي، بصفتها أرضاً سورية، في وقت كذّبت فيه أنقرة تفاصيل بيان البيت الأبيض وربطت نقاشَ مقترحِ «المنطقة الآمنة» الأميركي ببناء الثقة بين البلدين
لم تكن التحركات العسكرية على جبهات عفرين الحدث الأبرز في اليوم السادس من العدوان التركي على المنطقة، فقد غابت الفعالية الميدانية لحساب جملة من المواقف والتصريحات حول عملية «غصن الزيتون» وما بعدها. ولم تتغير خطوط السيطرة بين «وحدات حماية الشعب» الكردية والقوات التركية، سوى في نقطة أو اثنتين في ناحية بلبل (شمال)، حيث سيطرت فصائل «غصن الزيتون» (وفق زعمها) على قريتي أبو دانا وعبودان، شرق بلبل.
وفي المقابل، أفضت الأيام الأولى للعدوان، التي ظهرت فيها عزلة «الوحدات» الكردية، إلى تحرّك محلّي رسمي في عفرين، باتجاه التقارب مع دمشق. الخطوة الخجولة تجاه دمشق، جاءت عبر بيان صدر عن «الإدارة الذاتية ــ مقاطعة عفرين»، وطالب الدولة السورية بالقيام بواجباتها السيادية وحماية عفرين من العدوان التركي. البيان ركّز على أن منطقة عفرين «هي جزء لا يتجزأ من سوريا»، مشيراً إلى الدور «الوطني» الذي قامت به «الوحدات» الكردية خلال 6 سنوات «ضد المجموعات الإرهابية».
ولفت إلى أن «الوحدات» مستمرة بصد العدوان التركي الذي «يهدد وحدة أراضي سوريا»، مطالباً الدولة السورية بـ«حماية حدودها مع تركيا من هجمات المحتل التركي… ونشر قواتها المسلحة السورية لتأمين حدود منطقة عفرين».
الخطاب الذي يدعو إلى دخول الجيش السوري إلى عفرين وانتشاره في وجه القوات التركية المتقدمة، لم يأت مصحوباً بخطوات فعلية على الأرض من قبل «الوحدات»، وخاصة أن الجانب الروسي كان قد رعى محادثات طويلة بهذا الشأن مع دمشق، قبيل انطلاق العدوان التركي. وبدا لافتاً أن الدعوة أتت من قبل «الإدارة الذاتية في مقاطعة عفرين» (نشرت عبر صفحتها على فيسبوك)، لا من قبل قيادة «الوحدات»، المعنية بشكل مباشر بالتنسيق العسكري والأمني، اللازم لأي خطوة من قبيل دخول الجيش إلى عفرين.
وفي ضوء تشكيك أطراف عدة بجدوى البيان ومفاعيله المحتملة، نقلت وكالة «فرانس برس» موقفاً مماثلاً للبيان، عن الرئيس المشترك لـ«مجلس عفرين التنفيذي» عثمان الشيخ عيسى، اعتبر فيه الأخير أنه «إذا كان هناك من موقف حقيقي ووطني للدولة السورية، التي لديها ما لديها من إمكانات، فعليها أن تقف بوجه هذا العدوان، وتقول إنها لن تسمح بتحليق الطائرات التركية». وشدد الشيخ عيسى على أن «عفرين جزء لا يتجزأ من الأراضي السورية وأي اعتداء عليها هو اعتداء على سيادة الدولة السورية، ولذلك ناشدناها أن تخرج عن صمتها وتبيّن موقفها تجاه هذا العدوان الشرس».
وبدا لافتاً أن هذا الموقف الليّن من تحرّك دمشق إلى داخل عفرين، جاء في موازاة تصريحات تركية تؤكد عدم نيّة أنقرة الدخول في مواجهة ضد قوات الجيش السوري في سوريا. إذ قال وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو، في معرض ردّه على سؤال حول هذه النقطة: «في مرحلة ما، أسقطوا طائرتنا وقمنا بالرد. في هذه اللحظة، هم لا يهاجموننا، ولهذا لا سبب لدينا لاعتبارهم هدفاً لعملياتنا»، مضيفاً أن «الحكومة التركية تعرف أن هدف الوحدات الكردية هو تقسيم سوريا. ونحن، كما المعارضة والنظام السوري، ندعم في الوقت الراهن سلامة الأراضي السورية ووحدتها». وأعرب عن ثقته بأن الحكومة السورية «لن تتعاون مع الإرهابيين من الوحدات الكردية وحزب الاتحاد الديموقراطي».
وجاءت تلك التطورات في وقت زار فيه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، مركز عمليات الجيش الثاني التركي في منطقة لواء إسكندرون (ولاية هاتاي) المحاذية لمنطقة عفرين، وهو المركز المشرف على عملية «غصن الزيتون». واطّلع على سير العمليات بحضور رئيس هيئة الأركان خلوصي أكار، وقائد القوات البرية يشار غولر، ووزير الدفاع نورالدين جانيكلي، ونائب رئيس الوزراء بكر بوزداغ. وقال إن بلاده «لا تطمع بأراضي أي دولة… وعفرين ستسلّم لأصحابها الحقيقيين».
في موازاة تلك التطورات، لقي البيان الصادر عن البيت الأبيض أول من أمس، استنكاراً من مصادر رئاسية في أنقرة، ودفعاً إلى نشر «تصحيح» لبعض المعلومات التي وردت «بشكل غير دقيق» فيه. وقالت تلك المصادر وفق وكالة «الأناضول»، إن النقاش حول عملية «غصن الزيتون» اقتصر على تبادل وجهات النظر، نافية استخدام عبارة «الخطابات الهدامة والخاطئة الواردة من تركيا» التي ذكرها بيان البيت الأبيض. وأشارت إلى أنه جرى التشديد من قبل أردوغان على ضرورة انسحاب «الوحدات» الكردية من منبج إلى شرقي نهر الفرات «وفقاً لما تم الاتفاق عليه من قبل».
في سياق متصل، أعلن المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية، كينيث ماكنزي، أن قادة عسكريين أميركيين وأتراكاً، ناقشوا إمكان إقامة «منطقة آمنة» على الحدود مع سوريا. ولم يقدم تفاصيل أكثر عن طبيعة المحادثات الجارية، لكن وسائل إعلام تركية قالت إن وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون، أبلغ نظيره جاويش أوغلو، تأييد بلاده إقامة «شريط أمني» بعمق يصل إلى 30 كيلومتراً داخل الأراضي السورية.
وقال إنه «في عفرين بشكل خاص، العمليات التركية… التي تساهم في الإخلال بالمعادلة وتجعل التركيز على سبب وجودنا في سوريا أكثر صعوبة، شيء سلبي»، من دون التعليق على ما ستفعله القوات الأميركية إذا ما تحرك الأتراك في مدينة منبج. وفي ردّ تركي أولي على طرح تيلرسون، قال جاويش أوغلو إن بناء الثقة بين بلاده والولايات المتحدة «شرط أساسي» للتباحث حول «منطقة آمنة» في الشمال السوري.
ورأى أن «بيان البيت الأبيض (عن مكالمة ترامب وأردوغان) جرى إعداده من قبل الجانب الأميركي قبل حدوث المكالمة، لذلك لم يعكس الحقائق بشكل تام». وأضاف: «كما قال رئيسنا (أردوغان)، فإن العرب يشكلون 90 في المئة من سكان منبج، ونحن يمكننا ضمان الأمن فيها، وهذا يسري على شرق الفرات في حال استمرار التحرش بقوات (الجيش الحر)، فهذا ليس أمراً ضد الولايات المتحدة».
صحيفة الأخبار اللبنانية