‘أيام في ذاكرة المصريين’ يؤكد أن السادات فتح مصر لكل آفات وأمراض الرأسمالية
اختارت الكاتبة د. عواطف سراج الدين أن تفتتح كتابها “أيام في ذاكرة المصريين.. من ثورة 1919 إلى ثورة 30 يونيو 2013” والصادرة عن مركز الأهرام للنشر، بثورة 1919 كونها أول ثورة شعبية في القرن العشرين ظهر فيها المصريون على قلب رجل واحد في مواجهة عدو واحد، هو المحل البريطاني الذيي تصور أن بإمكانه فرض قوته ووصايته على إرادة المصريين، وتغليب مصالحه على مصالحهم، وإذا به يستيقظ على هدير ثورة كالطوفان، كادت تقتلعه من جذوره لولا انحناؤه لها، وخضوعه لإرادة الثوار وقيامه بالإفراج عن سعد زغلول وإعادته من منفاه كمقدمة لتنازلات راح يقدمها البريطانيون للحركة الوطنية فيما بعد.
كما اختارت سراج الدين أن تكون نهاية كتابها بثورة 30 يونيو 2013 التي أنقذت مصر من مؤامرة خطيرة كادت تغرقها في حرب أهلية وتجعل أهلها عرضة للفتن لولا تدخل الجيش المصري في الوقت المناسب وما شكله هذا التدخل من وقف المشروع الأميركي الذي أراد به تفتيت الدول العربية بما فيها مصر، وعمل نموذج جديد لمعاهدة “سايكس بيكو” التي سبق أن فرضها الاستعمار من أجل إضعاف القوة العربية.
لقد كانت ثورة 30 يونيو أهم حدث عاشه المصريون منذ أطل عليهم القرن الحادي والعشرون، شارك فيه ما لا يقل عن 33 مليون مصري في مشهد نادر لم تعشه أية دولة في العالم من قبل، مما أدى إلى عزل الرئيس المنتخب وتعليق الدستور ووضع خارطة طريق جدييدة لإعادة بناء النظام السياسي الجديد.
وما بين الثورتين والتاريخين ومن خلال 19 فصلا تناولت سراج الدين ثورات وانتفاضات ومحاولات انقلاب واستبدال نظم سياسية بنظم سياسية أخرى، وحروب وهزائم وانتصارات وعلميات اغتيال لشخصيات سياسية مهمة، وحللت قرارات تاريخية ومعاهدات غيرت شكل المسرح السياسي وسمحت بمعادلات جديدة في إدارة الصراعات وتحديد الأولويات وإعادة بناء موازين القوى.
وقد راعت سراج الدين في ترتيب فصول الكتاب انتظام التسلسل التاريخي للأحداث بحيث لا يتأخر ما حقه التقديم ولا يتقدم ما حقه التأخير، فبدأت بسعد زغلول وثورة 1919 ومقتل السير لي ستاك، فانتفاضة عام 1935، وحادثة 4 فبراير، وحصار قصر الملك فاروق عام 1942، ونكبة فلسطين 1948، وصمود قوات الشرطة المصرية في وجه القوات البريطانية في يناير 1952، وحريق القاهرة يناير 1952 والذي لا يزال لغزا لم تفك طلاسمه حتى الآن، والطريق إلى انقلاب الضباط الأحرار في 23 يوليو 1952 وعزل محمد نجيب 1954 وهكذا حتى ثورة 30 يونيو 2013.
وتحت عنوان “الضباط في السلطة” والذي تناول حركة 23 يوليو 1952 رأت سراج الدين أن تنظيم الضباط الأحرار بنى رؤيته الجديدة مواكبة لتطلعاته إلى السلطة أولا وقبل كل شيء إذ لم يأخذ من القديم محاسنه ولم يجعل من الجديد نواة حقيقية لديمقراطية مبنيية على حرية الرأي والتعبير والتداول الطوعي للسلطة، وجعل كل همه تصفية خصومه من ساسة الأحزاب القديمة ورجال البلاط الملكي والشيوعيين، وما أن نجح في هزيمتهم جسديا ونفسيا وماديا حتى التفتت قيادات التنظيم إلى بعضها البعض يتصارعون على الاستئثار بالسلطة إلى أن انتهى بهم الأمر بسقوط محمد نجيب وانسحاب بعض قيادات مجلس قيادة الثورة واعتقال البعض الآخر، ووضع من تبقى منهم على سدة مؤسسات وشركات كبرى وبنوك مهمة لشغلهم عن طموحهم السياسي بالمادي حتى لو كانت النتيجة هو تدمير القطاع العام وتمكين أهل الثقة من أهل الخبرة.
وحول ما جرى بعد انتصار أكتوبر 1973 قالت سراج الدين “بانتقال مصر من عصر الهزيمة إلى عصر الانتصار كان لا بد من رؤية جديدة لسياسة جديدة تتحرر من قيود الماضي وتراكماته وتدفع بعجلة التنمية لآفاق من المستقبل الواعد، والذي حاول السادات أن يرسم ملامحه فيما أطلق عليه “ورقة أكتوبر” وكان ذلك عام 1974، وقد شخصت تلك الورقة مشكلات مصر الاقتصادية في أن عبء الانفاق العسكري هو من هبط بمعدل النمو في مصر من نسبة 67% سنويا خلال الفترة من 1956 إلى 1965 إلى 5% فيما بعد، وأن السبيل لاستعادة معدل النمو القديم غير ممكن أبدا في غياب الموارد الخارجية، ولا سبيل للحصول على تلك الموارد ـ من وجهة نظر السادات طبعا ـ إلا عن طريق الانفتاح الاقتصادي على العالم كله شرقه وغربه، جنوبه وشماله، ذلك الانفتاح الذي سيزود مصر بما تحتاجه من العملة الصعبة وكافة الموارد المالية اللازمة للتنمية، وسيزودها كذلك بأحدث الوسائل التكنولوجية الحديثة”.
وتضيف “لكن السادات بقراره قد وقع في فخ تكريس سيطرة الشركات الأجنبية على الاقتصاد المصري وبداية انحسار القطاع العام وتقلصه فيما بعد وانقسام الاقتصاد المصري إلى أجزاء متناقضة ومتناثرة بسبب الخلط بين رأس المال المحلي والعام والأجنبي، وبسبب الحاجة لقواعد جديدة وآليات جرت القطاع الخاص تدريجيا للصدارة بينما تركت القطاع العام يموت تدريجيا تحت تأثير البيروقراطية والفكر المتحجر وعدم الرغبة في فتح أي نوافذ للتغيير”.
وهكذا أكدت سراج الدين أن أبواب مصر فتحت أمام كل آفات وأمراض الرأسمالية العالمية “التضخم والغلاء والعجز في الميزان الختامي ونهب المال العام والاحتكار والعمولات والصفقات المشبوهة والسرقات الممنهجة للمؤسسات التعاونية والبنوك والرخاء المسف، والأخطر من كل هذا ظهور طبقة لها طبيعتها المتميزة ومصالحها وسياساتها التي اختلفت بل تناقضت تماما مع سياسات المرحلة الناصرية.
لقد تشكلت تلك الطبقة من تحالف الرأسمالية الطفيلية من السماسرة والمضاربين ووكلاء البيوت الأجنبية والمقاولين وتجار الجملة ونصف الجملة والعاملين في الاستيراد والتصدير والتهريب وغيرهم من كبار المسئولين من أصحاب العمولات الضخمة مع البرجوازية الريفية من أصحاب الملكيات الزراعية الكبيرة، وقد أدى هذا الخلط إلى قلب الهرم الاجتماعي رأسا على عقب وتقلص الطبقة الوسطى وتصدر أصحاب رؤوس الأموال مهما تكن درجة ثقافتهم مقدمة الصفوف، بينما تراجع المثقفون بمختلف درجاتهم العلمية إلى الخلف، وهو ما أحدث خللا في البناء القيمي للمجتمع وغلبة ثقافة المصلحة الخاصة على المصالح العامة”.
وأشارت سراج الدين إلى أن من أكبر الكوارث التي ابتليت بها مصر أيام حسني مبارك ومن أهم الأسباب التي أدت لإزاحته عن السلطة أيضا، تغلغل الفساد وتحكمه في كافة مرافق الدولة وأجهزتها وبحسب تقرير صادر عام 2007 عن مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء أنه لم تسلم أي محافظة مصرية من الفساد الاداري، وهو نفس ما أكده الكتاب الصادر عن ملتقى الحوار للتنمية وحقوق الإنسان وكان تحت عنوان “الخطر الكامن: الفساد في مصر حقائق وأرقام”، وركز في فصوله على استفحال ظاهرة الفساد في جميع قطاعات الحكومة “الصحة، المحليات، قطاع التعليم، الإعلام، الإسكان، إلخ” وقد سبق وأصدرت منظمة الشفافية الدولية تقريرا سنويا أشارت فيه إلى أن مصر تحتل المركز 72 ضمن قائمة الفساد العالمي.
ويكفي الاشارة إلى أنه فور تنحي مبارك عن الحكم في 11 فبراير/شباط 2011 بدأت النيابة الإدارية التحقيق في 40 ألف قضية فساد مالي وإداري تنوعت بين اختلاس والإضرار العمدي بالمال العام والاعتداء على أملاك الدولة وتزوير في محررات رسمية وإهمال واغتصاب وهتك عرض وتحرش داخل المؤسسات الحكومية ورشوة واستغلال نفوذ وتسهيل الاستيلاء على أراضي الدولة.. إلخ”.
وتخلص الكاتبة إلى أن المرحلة التي تعيشها مصر الآن برغم التحليلات الكثيرة لها والكتابات المتنوعة عنها والمتناولة لأحداثها، لا تزال ملتبسة وغامضة بل وعصية على الفهم، لا تزال في حاجة للمزيد من الوقت للوقوف على الحقائق كاملة خاصة أن هناك وثائق تم إحراقها أو إخفاؤها، وهناك وثائق يتم تسريبها عمدا أو لم يفرج عنها بحكم المدى الزمني المقرر لإخراج أي وثيقة إلى النور.
وهناك اعترافات تتوالى من جانب شخصيات سياسية رفيعة التزمت الصمت بعد قيام ثورة 25 يناير 2011 كما أن هناك جهات استخباراتية متعددة وجماعات مصالح تحرص على تغييب الرأي العام وتضليله ومده بمعلومات تهدف أولا وأخيرا إلى تغييب الوعي وإحداث حالة من الارباك يصعب معها تحديد من مع من؟ ومن ضد من؟ من يعمل لصالح الوطن؟ ومن يقف ضده؟ وبالتالي نحن في الانتظار حتى تتجلى الصورة لأن التاريخ قد يكتب في حينه لكن حقائقه لا تتضح إلا بمرور الزمن”.
ميدل ايست أونلاين