إدارة بايدن تُدشّن اعتداءاتها في سوريا: أولى محاولات استعادة «الردع»

 

شكّل الإعلان الأميركي الصريح عن استهداف عدّة مواقع لـ«الحشد الشعبي» العراقي، في منطقة واقعة على الحدود السورية – العراقية، لكن داخل الأراضي السورية، بدايةً غير محمودة لسياسة الإدارة الأميركية الجديدة، في التعامل مع الملفَّين السوري والإيراني. وربّما تعمّدت واشنطن، من خلال عمليتها المحدودة تلك، إيصال رسالة مزدوجة إلى كلٍّ من طهران ودمشق، بتحذيرهما من استخدام القوة ضدّ المصالح الأميركية في المنطقة، وتحديداً في العراق أو سوريا. وقال المتحدّث باسم وزارة الدفاع الأميركية، جون كيربي، إن الضربات الجوّية «دمّرت عدّة منشآت تقع عند نقطة مراقبة حدودية يستخدمها عدد من الميليشيات المدعومة من إيران، بما في ذلك كتائب حزب الله وكتائب سيد الشهداء»، فيما نقلت وسائل إعلام أميركية عن مصادر رسمية أن العملية نَفّذتها مقاتلات «إف 15»، وأدّت إلى «مقتل عدد من المسلّحين». وأشار وزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن، بدوره، إلى أن «الهدف الذي قُصف في سوريا كانت تستخدمه الميليشيات نفسها التي نَفّذت الهجمات الصاروخية في العراق».

ويكشف مصدر ميدانيّ سوريّ، في تصريح إلى «الأخبار»، بعض التفاصيل حول الغارات الأميركية، لافتاً إلى أنها «نُفّذت قرابة الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، واستهدفت منطقة قريبة من معبر البوكمال الحدودي، تنتشر فيها قوات حليفة للجيش السوري». ويضيف أن «الغارات أدّت إلى استشهاد أحد عناصر القوات الحليفة، مع إصابة آخرين»، معتبراً «الحديث عن عدد كبير من الشهداء أمراً مبالغاً فيه». ويشير إلى أن «القوّات الموجودة في المنطقة أعادت انتشارها بعد وصول إخطار باحتمال وقوع هجمات، ما خفّف من آثار القصف بشكل كبير». وعلمت «الأخبار»، من مصادر مطّلعة، أن «القوات الروسية أخطرت الجيش السوري باحتمال وقوع هجمات جويّة في الشرق السوري قبل مدّة قصيرة من وقوع الغارات الأميركية، ما مكّن القوات المنتشرة في منطقة البوكمال من تنفيذ إعادة انتشار مَنَعت وقوع خسائر كبيرة».

وفي هذا السياق، أعلن وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، أمس، أن «واشنطن أبلغتنا بالضربة على سوريا قبل 5 دقائق من تنفيذها، وهذه مهلة بسيطة». وقالت المتحدّثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زخاروفا، بدورها، «(إننا) ندين بشدّة مثل هذه الأعمال، وندعو إلى الاحترام غير المشروط لسيادة سوريا ووحدة أراضيها، ونؤكد رفضنا أيّ محاولات لتحويل الأراضي السورية إلى ساحة تصفية حسابات جيوسياسية». كذلك، أوردت وكالة «رويترز» أن وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، اتصل بنظيره السوري، فيصل المقداد، بعد ساعات من الضربة، فيما دعت بكين جميع الأطراف المعنيّة إلى «احترام سيادة سوريا واستقلالها وسلامة أراضيها».

وفي دمشق، دانت الخارجية السورية في بيان «العدوان الأميركي الجبان والموصوف على مناطق في دير الزور قرب الحدود السورية – العراقية، والذي يتناقض مع القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة». وحذرت من أنه «سيؤدّي إلى عواقب من شأنها تصعيد الوضع في المنطقة». واعتبرت أن «هذا العدوان يُشكّل مؤشراً سلبياً على سياسات الإدارة الأميركية الجديدة والتي يُفترض بها أن تلتزم بالشرعية الدولية، لا بشريعة الغاب التي كانت تنتهجها الإدارة الأميركية السابقة للتعامل مع الأزمات الإقليميّة والدوليّة في العالم».

إزاء ذلك، يبدو أن الإدارة الأميركية الجديدة تخشى تعاظم قوة المقاومة العراقية، بالإضافة إلى وجود نواة للمقاومة الشعبية في الشرق السوري، من شأنها – إذا ما أصبحت أمراً واقعاً – أن تُطوّق نطاق الوجود الأميركي في سوريا. لذا، فهي تريد من خلال هذه الغارات محاولة كبح جماح طهران، وثنيها عن مواصلة دعمها للمقاومة العراقية أو التعاون مع مقاومة سورية ضدّ المصالح الأميركية في المنطقة، خاصة بعد اتهامات لإيران بنقل أسلحة نوعية باتجاه مدينة البوكمال السورية، المحاذية لعدد من القواعد الأميركية غير الشرعية في دير الزور شرقي سوريا.

وبات من الواضح أن واشنطن بدأت تتعاطى بجدّية مع إمكانية تكرار استهداف قواعدها في سوريا والعراق، لذلك فهي تعمل على تعزيز حضورها العسكري في المنطقة. وفي هذا الإطار، حصلت «الأخبار» على معلومات مؤكدة عن «نيّة واشنطن استحداث قاعدة كبيرة في منطقة عين ديوار على مثلث الحدود السورية – التركية – العراقية، بعد استكمال نقل كامل التجهيزات اللوجستية إليها». وكشفت مصادر «الأخبار» أن «واشنطن عزّزت قدراتها التسليحية في قواعدها في حقلَي العمر وكونيكو في سوريا، مع استقدام أسلحة نوعية لمواجهة أيّ مخاطر محدقة بالقوات الموجودة في هذه القواعد». وكانت مواقع إعلامية كردية نشرت صوراً لشاحنات أسلحة، قالت إنها تحمل «صواريخ دفاع جوي تعمد الولايات المتحدة إلى نشرها في محيط قواعدها في سوريا، لمواجهة أيّ خطر جويّ محدق بهذه القواعد».

صحيفة الأخبار اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى