في حديثه الأخير، صعّد قائد حركة أنصار الله في اليمن، السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، لهجته، قائلاً إن السعوديين سيواجهون “مشكلةً كبيرةً”، في حال بقائهم “مرتهنين لواشنطن ومتوجّهين ضمن إملاءاتهم”.
وتابع: “لا يتصوّر السعودي أنّ بلدنا سيبقى مدمراً ومحاصراً، وشعبنا سيجوع ويعاني.. في حين ينأى بنفسه عن التبعات والالتزامات، نتيجة عدوانه الظالم على شعبنا لثماني سنوات من العدوان والحصار”، وقال إنّ على الرياض ألا تتصوّر أيضاً بعد فشلها في الحرب العسكرية أنّ “بإمكانها الانتقال إلى الخطة ب في استمرار الحصار والتجويع وحرمان شعبنا من ثروته”.
مباشرةً بعد توقيع الاتفاق السعودي الإيراني في آذار/مارس من هذا العام، تكثفت الزيارات الأميركية إلى السعودية، وكان آخرها زيارة مستشار الأمن القومي الأميركي جايك سوليفان، الذي أشار إلى أن زيارته تضمنت بندين: اليمن، والتطبيع بين السعودية و”إسرائيل”، وأشاد بـ”فوائد الهدنة في اليمن التي صمدت على مدى الأشهر الـ16 الماضية”، ورحب “بالجهود الجارية التي تقودها الأمم المتحدة لإنهاء الحرب”.
بالرغم من مرور فترة من الجفاء بين إدارة بايدن وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، نجد أنَّ هناك عودة قوية للدبلوماسية الأميركية في المنطقة لفرملة اندفاعة دول المنطقة نحو تطبيع العلاقات فيما بينها، والذهاب إلى الاستقرار والسلام بينها من دون رعاية أميركية، فما الذي تريده إدارة بايدن من فرملة الاندفاعة السعودية الانفتاحية في المنطقة؟
بدايةً، لا بدّ من الإشارة إلى أنَّ هناك تأثيراً وتفاعلاً بين السياسات الداخلية والخارجية الأميركية تحكم تصرف الإدارات الأميركية المتعاقبة. وعلى الرغم من أن الناخبين الأميركيين لا يصوّتون بتأثير السياسات الخارجية، فإنَّ قرارات السياسة الخارجية ترتبط باللوبيات المختلفة في واشنطن وبعض الناخبين من اليمين، ويمكن استخدامها في اتهامات الأحزاب لبعضها البعض خلال حملات الانتخابات.
فرملة الانفتاح السعودي في المنطقة
يسعى الأميركيون لتحصيل مكاسب سياسية في المنطقة لم يستطيعوا الحصول عليها في الميدان، وذلك عبر استخدام سياسات العقوبات والحصار الاقتصادي. وبناء عليه، وبما أن انخراط الجيش الأميركي عسكرياً متعذر في ساحات المواجهة منذ حربي العراق وأفغانستان، تحاول الولايات المتحدة أن تفرمل اندفاعة السعودية التسووية لتحصيل مكاسب سياسية من إيران في ملفات المنطقة المتعددة، أهمها اليمن وسوريا ولبنان، وذلك عبر الدفع إلى المطالبة بمزيد من التنازلات في ملفات المنطقة في مقابل تلك التسويات.
تحجيم النفوذ الصيني
منذ إعلان مبادرة “الطريق والحزام” الصينية عام 2013، تتطلع دول الخليج إلى أن تكون جزءاً من تلك المبادرة، ما يؤمّن لها منافع اقتصادية وتجارية، ويساهم في رؤيتها التنموية المستقبلية.
في كانون الأول/ديسمبر 2022، زار الزعيم الصيني شي جين بينغ السعودية، والتقى الملك سلمان وولي العهد. وخلال الزيارة، تمّ توقيع العديد من الصفقات التجارية ورفْع العلاقة رسمياً بين الصين والسعودية إلى مرتبة “شراكة استراتيجية شاملة”، وهي أعلى مستوى في الترتيب الرسمي الصيني للعلاقات مع الدول الأخرى.
وبعد رعاية الصين للتفاهم السعودي الإيراني، برزت الصين كلاعب مرحب به لضمان الاستقرار والسلام في المنطقة، وعبّر العديد من المعلّقين الأميركيين عن أن الصين تؤدي دوراً بناءً في منطقة الشرق الأوسط لم تستطع الولايات المتحدة أن تؤديه، ونبّهوا إدارة بايدن إلى إمكانية أن تحلّ الصين مكان الولايات المتحدة كمهيمن على المنطقة في ظل انشغال الإدارة الأميركية باحتواء الصين في محيطها ومحاربة روسيا في أوكرانيا.
التطبيع بين السعودية و”إسرائيل“
من يراقب مسار الانتخابات الرئاسية الأميركية التي ستجري عام 2024، يعرف أن الاتجاه يذهب إلى جولة انتخابية جديدة بين كل من بايدن وترامب في حال لم تطرأ أمور خارج الحسبان.
يحسب لترامب في “إسرائيل” أنه استطاع أن يحقق لها الكثير من المكاسب، وأهمها اتفاقيات التطبيع التي استثمرها في الداخل الأميركي لكسب تأييد اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة، والأهم لكسب تأييد الكنائس الإنجيلية واليمين المسيحي الذي يؤمن “بحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها وإقامة دولتها”، انطلاقاً من إيمانه الديني بأنَّ “إقامة مملكة إسرائيل سوف تؤدي إلى ظهور المسيح مرة أخرى”، كما تقول النبوءات التي يؤمنون بها.
وبالمثل، يريد بايدن أن يحقق إنجازاً تاريخياً يحسب له في التاريخ الأميركي، وهو أنه استطاع أن يحقق اتفاق تطبيع بين السعودية و”إسرائيل”، فيحسب له انتصار يستثمره أيضاً في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
في النتيجة، ما زالت منطقة الشرق الأوسط في مرحلة شدّ وجذب، إذ يريد كل طرف أن يحقق مكاسب ويكسب أوراقاً يستخدمها لفرض تنازلات على الطرف الآخر حين يحين أوان التسويات. يضاف إلى ذلك وجود إدارة أميركية ضعيفة تخشى تأثير التسويات المرتقبة في حظوظ بايدن الانتخابية، فتماطل في التوصل إلى اتفاق مع إيران، وتضغط على حلفائها لفرملة اندفاعتهم التصالحية في المنطقة.
واقعياً، يشهد تاريخ العلاقات الدولية أنَّ التسويات يصنعها الأقوياء، فيما يبقى الضعفاء تحت تأثير ضغط الصقور على يمينهم، فيخشون الانتقاد، ويخشون تأثيره في قاعدتهم الشعبية وحظوظهم الانتخابية، وهي حال إدارة بايدن في الولايات المتحدة.
الميادين نت