إذاعة دمشق، من الانقلابات إلى الثورة : توقفت الإذاعة عشرين يوماُ وأقلعت بحيوية !
عماد نداف
خاص
لأول مرة منذ انطلقت إذاعة دمشق، أو الإذاعة السورية، قبل أكثر من خمسة وسبعين عاما، توقفت عن البث فجر الثامن من كانون الأول عام 2024، عندما سقطت دمشق أمام زحف إدارة العمليات العسكرية، وسقط حكم بشار الأسد.
أيام الانقلابات الكثيرة التي وقعت في التاريخ السوري، لم تتوقف عن البث، وكان البلاغ الأول للانقلابيين يبث عبر أثيرها في لحظة وقوع الانقلاب، فقد كان الهدف الأول للانقلابين هو الاستيلاء على الإذاعة ، لأن ذلك كان يعني نجاحه وإسقاط النظام السابق له.
وفي ذاكرة الانقلابات، كما كان يروي لنا الزملاء الذين عايشوا تلك المرحلة، كانت طواقم العمل تختبئ في الغرف والاستوديوهات، إلى أن تنجلي الأمور ويأتي الانقلابيون ويطلبون منهم استئاف العمل وإذاعة المارشات العسكرية ريثما يصدر البيان رقم (1).
أي أن الإذاعة لم تكن تتوقف، وكانت تكتفي ببث المارشات العسكرية التي تنبئ بحدث قادم، وبالعودة إلى انقلاب حافظ الأسد عام 1970 ، وكان ذلك آخر إنقلاب عسكري قبل وصول إدارة العمليات إلى دمشق، حكى لي العماد مصطفى طلاس وزير الدفاع الأسبق في مكتبه عام 2001 أنه حمل بيان الحركة التصحيحية ومشى من بيته في حي الروضة إلى مبنى الإذاعة ليبث البيان بصوته، لكن المذيع الراحل مهران يوسف طلب منه أن “لايعذب نفسه ويقوم بمهمة المذيع”، فقام مهران بقراءة البيان في التلفزيون والإذاعة معا.
دخلتُ مبنى الإذاعة والتلفزيون بعد أسبوع من سقوط نظام بشار الأسد، وصعدت إلى الطابق الخامس حيث كانت غرفة أخبار الإذاعة (النيوز روم) التي تجمعنا، لم أجد أحداً في الإذاعة ، كنتُ وحدي، كل الغرف كانت فارغة، كل المكاتب فارغة، لكن أدوات تحضير القهوة كانت في مكانها، فأعددت قهوتي ، وشرعت في كتابة رؤيتي لليوم الثامن للسقوط على صفحتي الخاصة، وجاء فيها :
أتابع باهتمام آراء تُكتب هنا وهناك، ومنها ماهو سطحي ويبنى على رد الفعل أو الخوف، ومنها ماهو عميق ومسؤول، ومن الطبيعي أن يكون لي رأي بين الناس، لكن جوهر فكرتي أن يكون الرأي سلاح كل واحد فينا لأن العمق في آرائنا سيشكل سيل التغيير نحو الأفضل، وكما هو ظاهر فإن التفهم الواضح من قبل إدارة العمليات التي تدير البلاد هو الفرصة المواتية لتحصين البلاد من المصائب المحتملة. ووقعتها بعبارة : الكاتب السوري عماد نداف..
في فجر الثامن من كانون الأول عام 2024 ، كان الزملاء المناوبون في حيرة من أمرهم، فقد فرغ المبنى من كل الحراسات ومفارز الأمن التي تركت مواقعها وأسلحتها وملابسها العسكرية وغادر عناصرها المبنى، وعندما انقطعت الاتصالات مع إدارة الإعلام السوري، توقف البث، وشاهد الزملاء بعض عسكري الفصائل يتجولون في ممرات المبنى ، لكن أحدا لم يعترضهم، وكان واضحا أن النظام قد سقط وأن مرحلة جديدة بدأت .
تم تعيين فريقا من المشرفين من إدارة العمليات لتنظيم إعادة إطلاق البث الإذاعة، ومن بينهم : أنس مصطفى محمد الشيخ ويوسف اليوسف في الفاتح من كانون الثاني عام 2025 ، وبعد مرور أكثر من عشرين يوما على توقف البث الإذاعي عادت إذاعة دمشق للبث، لكن الشارة المميزة للمبدع الكبير أمير البزق التي كانت تسبق النشيد الوطني، لم تبث، تغيرت الطريقة الاعتيادية، وانطلقت أول نشرة أخبار بعد الثورة، والتقط الزملاء الذين أعادوا البث صورة تذكارية لهم (مرفقة)، وهي المرة الأولى التي تحصل في تاريخ الإذاعة، وظهر في الصورة : إيمان الخطيب مديرة الإذاعة ، ويحيى كوسا مدير الأخبار ، والمخرج أحمد فراج ، والمذيع معن الجمعات ، والمحرر أيمن بندقجي، إضافة إلى بعض الفنيين المشاركين .
أذيعت النشرة الأولى من إذاعة دمشق صباح اليوم الأول من العام الجديد، وقرأها المذيع الجمعات، وفي عناوينها :
المواطنون السوريون يحتفلون بأول رأس سنة بعد سقوط نظام الأسد البائد.
القائد أحمد الشرع يلتقي وفداً من الطائفة المسيحية وآخر من أنصار التوحيد، ويتلقى التبريكات من قادة القوة المشتركة بمناسبة انتصار الثورة السورية .
وأخبرني مدير الأخبار يحيى كوسا أنه خرج ليلا ليشاهد انتقال سورية إلى العام الجديد، وكانت ساحة الأمويين تغص بعشرات الألوف من السوريين المحتفلين بفجر اليوم الأول من العام 2025، وفجر الثورة الجديدة التي أنهت حكم البعث السوري.
بوابة الشرق الأوسط الجديدة
لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على الفيسبوك
لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على التويتر