يبدو أن تطوّرات الحرب في قطاع غزة وتداعياتها، باتت تلقي بظلالها على المسارات الإقليمية والدولية. وكان مقرّراً أن يقوم الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، بزيارة رسمية لتركيا، أول من أمس (28 الجاري)، غير أن الزيارة لم تجرِ في موعدها المحدّد، إذ تفيد مصادر مطّلعة بأن الجانب الإيراني طلب «إرجاءها»، بسبب «ظروف الحرب في غزة» كما قال.
وأبلغت المصادر القريبة من الحكومة الإيرانية، «الأخبار»، أن بعض المجموعات والمنظّمات غير الحكومية في تركيا، كانت قد دعت رئيسي، خلال الأيام الماضية، إلى المشاركة في تجمّع حاشد ستقيمه دعماً لفلسطين وأهالي غزة، وأصرّت على ذلك. بيدَ أن الحكومة التركية التي كانت قد أصدرت مسبقاً ترخيصاً لإقامة هذا التجمّع، بادرت إلى إلغائه، بعدما اطّلعت على أن ثمّة دعوة موجّهة إلى الرئيس الإيراني للمشاركة فيه، لتحول بذلك دون مشاركته فيه. وأوضحت المصادر، أنه في أعقاب هذا الإجراء التركي، طلبت الحكومة الإيرانية «تأجيل» زيارة رئيسي لأنقرة.من جهته، أعلن مكتب الرئاسة التركية، في بيان، أول من أمس، أن رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية لن يزور أنقرة في اليوم الذي كان مقرّراً، أي الثلاثاء، من دون أن يوضح أسباب ذلك. وفيما لم تذكر سلطات هذا البلد ووسائل إعلامه ما إذا كانت زيارة رئيسي لأنقرة قد «ألغيت» أو «أُجّلت»، قال وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، يوم أمس، إن زيارة رئيسي أرجئت بسبب «مشاركة وزيرَي خارجيتَي البلدَين في اجتماع مجلس الأمن في شأن غزة»، لافتاً، وفق ما نقلت عنه وكالة «فارس» الإيرانية للأنباء، إلى أن الرئيس الإيراني ونظيره التركي، رجب طيب إردوغان، اتّفقا في اتصال هاتفي على إجراء الزيارة خلال الأيام المقبلة.
وكان الرئيس التركي قد قال، يوم 11 تشرين الثاني الجاري، لدى عودته من مشاركته في مؤتمر الرياض الإقليمي، إن زيارة الرئيس الإيراني لبلاده ستجرى في الـ 28 من الجاري. وكان مقرّراً أن يجري الرئيسان الإيراني والتركي، خلال الزيارة، محادثات حول «اتّخاذ موقف مشترك من الحرب في غزة»، بعدما تحادثا هاتفياً، يوم الأحد، وتبادلا وجهات النظر في شأن الحرب، ومسألة إرسال المساعدات الإنسانية إلى القطاع، واتّخاذ الإجراءات الكفيلة بإقرار وقف دائم لإطلاق النار. بيد أن عدم إنجاز زيارة رئيسي لأنقرة في موعدها المحدّد، يعدّ مؤشّراً إلى الخلافات بين البلدين في شأن القضية الفلسطينية، على رغم أوجه الشبه في مواقف الطرفَين، لناحية التنديد بالممارسات الإسرائيلية ودعم صمود الشعب الفلسطيني.
ويبدو أن تركيا لا تروقها، في هذا السياق، أيّ خطوات أو إجراءات يمكن أن تقود إلى تعزيز الثقل الإقليمي لإيران ربطاً بالقضية الفلسطينية، وخصوصاً أن الأولى تسعى إلى أن تقدّم نفسها باعتبارها «الرائدة» في الذود عن الفلسطينيين في المنطقة. ولعلّ إلغاء ترخيص التجمّع الذي كان مقرّراً أن يُقام في تركيا بمشاركة الرئيس الإيراني – وفق مصادر مطّلعة في إیران -، يعبّر عن عدم الارتياح المشار إليه. ومن ناحية أخرى، لا تبدي طهران ارتياحاً إزاء موقف أنقرة، التي اكتفت بانتقاد إسرائيل كلاميّاً، من دون اعتماد أيّ إجراء عملي من شأنه أن يفضي إلى قطع العلاقات السياسية والاقتصادية معها. وكان المرشد الأعلى الإيراني، علي الخامنئي، قد دعا في أحد أحدث تصريحاته إلى الحدّ من إرسال الدول الإسلامية منتجات الطاقة والسلع إلى إسرائيل، فيما رأت المصادر السياسية والإعلامية الإيرانية أن خطاب المرشد موجّه بالدرجة الأولى، وقبل أيّ طرف آخر، إلى تركيا، وخصوصاً في ظلّ استمرار تدفُّق الغاز منها إلى كيان الاحتلال، حتى في ذروة الحرب على غزة، فضلاً عن استمرار عملية إرسال البضائع من الموانئ التركية إلى إسرائيل. وفي الوقت ذاته، بقيت العلاقات السياسية والديبلوماسية بين الطرفين على حالها من دون تغيير.
وفي هذا السياق، أبلغ مصدر مطّلع، «الأخبار»، أن رئيسي كان قد طلب من إردوغان، خلال اللقاء الذي جمعهما على هامش قمّة «منظّمة التعاون الاقتصادي» (إكو) في طشقند، في التاسع من الجاري، وفي ذروة الحرب في غزة، أن تقطع تركيا علاقاتها الاقتصادية والتجارية مع إسرائيل، وهو ما رفضه الرئيس التركي. والجدير ذكره، هنا أيضاً، أن السيّدة الأولى التركية، أمينة إردوغان، كانت قد استضافت، قبل نحو أسبوعين، اجتماعاً شاركت فيه زوجات رؤساء الدول حول موضوع «دعم غزة». وفي هذا الاجتماع الذي حضرته زوجات قادة عدد من الدول الإسلامية، بما فيها قطر وماليزيا وأوزبكستان، لم تُدعَ السيدة الأولى الإيرانية، جميلة علم الهدى. وفضلاً عمّا تقدَّم، فإن ثمة خلافات قائمة بين إيران وتركيا حول بعض القضايا الإقليمية، بما فيها سوريا والنزاع بين أرمينيا وجمهورية آذربيجان في شأن قره باغ.
صحيفة الأخبار اللبنانية