إسرائيل تعرض وساطة «محروقة»: اشهدوا لنا بالحياد
إسرائيل تعرض وساطة «محروقة»: اشهدوا لنا بالحياد… حذرت موسكو، تل أبيب، من الانضمام إلى محور «المعادين»، الذين يحاولون «توجيه اللكمات» إلى روسيا. التحذير، الذي يُعدّ كذلك نوعاً من التهديد، يأتي ليثقل أكثر على إسرائيل، التي تريد أن تبتعد عن تداعيات «القصة الأوكرانية»، وأن تَظهر محايدة ما أمكنها، وإن عن طريق عرض الوساطة بين الجانبين. موضوعياً، في هذه المرحلة على الأقلّ، يتعذّر على تل أبيب أن تضطلع بدور الوسيط بين موسكو وكييف، أخذاً في الاعتبار جملة من العوامل، على رأسها تطلّع روسيا إلى ضرورة أن تُحقّق أيّ وساطة نتيجة الحرب نفسها، أي الاستسلام بلا شروط.
في الماضي غير البعيد، خلال زيارة رئيس الحكومة الإسرائيلية، نفتالي بينيت، إلى موسكو، طلب من الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، القبول بلقاء الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، في إسرائيل. جواب بوتين، كما يتسرّب في الإعلام العبري، جاء مباشراً وتلقائياً: هذا الرجل نازي، ولا يوجد شيء للحديث عنه معه. تلقّى بينيت الرفض الروسي، تماماً كما تلقّاه مَن سبقه في المنصب، بنيامين نتنياهو، الذي طلب بدوره لقاء قمّة في إسرائيل بين الزعيمين. وما كانت ترفضه موسكو بحزم في الماضي، حيث للديبلوماسية مكان وإن نسبي، لن ترضى به الآن في زمن الحرب والحلول العسكرية.
ما يهمّ روسيا، أوّلاً، استسلام أوكرانيا الكامل وبشروطها، أمّا مكان الاتفاق على ما سيلي الاستسلام، فشأن ثانوي، وربّما غير ذي صلة على الأرجح، علماً أن ما هو مطلوب من قِبَل موسكو لا يترك أيّ فائدة أو ضرورة لأيّ لقاء في المستويات العليا. كذلك، الوساطات تعني ضرورة التنازلات البينية، الأمر الذي لا يتساوق مع الإرادة الروسية التي تسعى لنتيجة صفرية: هزيمة كاملة واستسلام. مع هذا، عرض الوساطة الإسرائيلي، وإن كان يصعب تحقّقه عملياً، لا يلغي الفائدة المرجوّة لدى تل أبيب من خلاله.
سوريا… فقط سوريا
لا يبدو صانع القرار في إسرائيل معنيّاً من كلّ القصة الأوكرانية، إلّا بتأثيراتها المحتملة على ما يسمّيه «حرية عمله» (هجماته) في الساحة السورية. ومن هنا، فإن كلّ خطوة يُقدم عليها، قولاً أو فعلاً، تقاس وتقرَّر وفقاً لتداعياتها عليه في هذه الساحة. ولعلّ ذلك هو ما يفسّر تقلّب مواقفه، بين بيان مؤيد لأوكرانيا من دون إدانة روسيا أو حتى ذكرها بالاسم، ومن ثمّ بيان آخر يشجب موسكو بناءً على الضغط الأميركي مع جهودٍ وراء الكواليس لتخفيف تداعياته، وصولاً إلى رفض الانضمام إلى طلب إدانة موسكو في مجلس الأمن، على رغم أن تل أبيب ستكون، للمرّة الثانية، مجبرة على الرضوخ للضغط الأميركي في ما يتعلّق بالإدانة المقرَّر التصويت عليها في الجمعية العامة للأمم المتحدة. أمّا بينيت، الذي يتولّى المسؤولية الأولى سياسياً، فلا يذكر روسيا والرئيس الروسي لدى أيّ مقاربة للحرب الأوكرانية، بما يشمل الحديث الهاتفي الذي عبّر فيه لزيلينسكي عن تضامن تل أبيب مع كييف.
إزاء ذلك، كان لافتاً ما جرى تظهيره في الإعلام العبري على أنه «تفهّم» روسي للمقاربة الإسرائيلية، بناءً على بيان صدر عن السفارة الروسية في تل أبيب، على رغم أن هذا «التفهّم» يحمل في طياته إشارات تحذير إلى تل أبيب، إن لم يكن تهديداً. يرِد في بيان السفارة (السبت) أن التنسيق العسكري مع إسرائيل في سوريا سيستمرّ، لكنه يشير إلى أن «كبار المسؤولين العسكريين الروس يناقشون هذا التنسيق على أساس يومي»، وها هنا مكمن التهديد غير المباشر.
من جهته، كان السفير الروسي لدى إسرائيل، أناتولي فيكتوروف، أكثر وضوحاً في إعلان الموقف، إذ قال في حديث مع الإعلام العبري (تايمز أوف إسرائيل) عن آلية التنسيق العسكري (في الساحة السورية) والمواقف الإسرائيلية من الحرب في أوكرانيا: «لاحظنا موقف الإسرائيليين (…) ونأمل مرّة أخرى بأن يظلوا أذكياء وديبلوماسيين وأن يواصلوا العمل المشترك من أجل رفاهية دولتَينا وشعبَينا»، محذّراً تل أبيب من الانضمام إلى ما سمّاه «نوعاً جديداً من الرياضة»، متمثّلاً في توجيه اللكمات إلى روسيا.