إيران بين عقيدة بيغن واستراتيجية بايدن

 

تكابد إسرائيل الزمن لافتعال صدام عسكري مع طهران بذريعة القلق من قنبلة نووية. قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بوضوح إن إسرائيل ستواصل تعزيز  التعاون الأمني والاستخباري مع الولايات المتحدة الأميركية، لكنها ستمنع إيران من تطوير سلاح نووي باتفاق بين الغرب وطهران او بدون اتفاق.

من جانبه، ذهب وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس أبعد من ذلك، كاشفًا النقاب عن أن جيش بلاده يقوم بتحديث خطط لضرب مواقع نووية إيرانية، معلناً نيّته بالعمل بشكل مستقلّ في هذا التحرّك. اتهامات وتهديدات غانتس طالت أيضا حزب الله اللبناني متهمًا إياه بامتلاك آلاف الصواريخ معروفة الأماكن، على حد تعبيره

ثمة من يقول ان  تصريحات نتنياهو وغانتس، بشأن طهران، تتعلّق بالمنافسة الإنتخابية بينهما داخليًّا، ويرى آخرون أنها تبعث  برسائل الى واشنطن مفادها أن الخيار العسكري مطروح وبقوّة، حتى وإن أرادت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن إحياء الإتفاق النووي مع إيران.

يذكر أنه، قبل نحو شهرين، أوعز رئيس هيئة الأركان الإسرائيلي أفيف كوخافي بإعداد ثلاث خطط عسكرية عملانية لاحتواء القدرات النووية الإيرانية للحيلولة دون امتلاكها.

ويتبين في ما سُرّب من خطط الخطط أنها تستهدف  بنوك اهداف عسكرية-امنية، واقتصادية-حيوية، وبشرية-إنسانية، متهمة بالعمل كخلية نحل لخدمة المشروع النووي الإيراني مثل المفاعلات النووية، والمصانع وورشات العمل والمنشآت…  وتعتقد اسرائيل أنها باتت على معرفة جيدة بالبرامج النووية الايرانية بعدما نفذت بنجاح عملية تجسّس  واختراق استخبارية على الأرشيف الإيراني ونقله من طهران إلى تل أبيب.

عقيدة بيغن:

إيران من جانبها لا ترى في ذلك سوى حرب نفسية اسرائيلية، لكنها في الوقت نفسه تستمر في التحذير والتهديد ما يعني أنها تأخذ بعين الاعتبار احتمال مغامرة اسرائيلية أنطلاقا مما تُسمى ب ” عقيدة بيغن” ، أي العقيدة التي  ترفض ان تمتلك اي دول معادية لتل أبيب أسلحة دمار شامل، وهي ظهرت للعلن عام 1981 أثناء تدمير  الطيران الإسرائيلي مفاعل “تموز” النووي العراقي الذي ساهمت فرنسا بانشائه ( ويقال انها هي التي اعطت أسراره لاسرائيل لاحقا) .

عقيدة بيغن هذه عادت للظهور مجددًا عام 2007 بعدما نجح الموساد في الكشف عن مخطط سوريا لبناء مفاعل “الكبر” النووي في منطقة دير الزور، الذي سارعت الى قصفه رغم اعتراض واشنطن.

إدارة الرئيس جو بايدن تدرك جيّدًا أن الطموحات النووية لإيران تشكل ورقة تكتيكية بين المتنافسين على الانتخابات الإسرائيلية المرتقبة الشهر الجاري.  وهي لا تريد مجاراة الاندفاعة العسكرية الاسرائيلية.  المُلاحظ مثلا من  الاتصال بين نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس ونتنياهو ان البيت الأبيض لن ينصاع للضغوط الإسرائيلية، وان هذه الادارة مستمرة في سعيها لاعادة إيران الى طاولة التفاوض

الرئيس بايدن معتاد على هذه النوع من القنابل الدخانية الاسرائيلية ، فهو  تابع مشهدا مماثلا، منذ أكثر من 10 سنوات، وتحديدًا في أثناء ظهور نتنياهو في الأمم المتحدة وهو يلوّح بتلك الصورة الشهيرة عن مواقع المراكز النووية الايرانية ويحذر من قرب امتلاك القنبلة .

ورغم ارتفاع منسوب التوتر في الشرق الأوسط استنادا الى التهديدات الاسرائيلية المتكررة،  إلا أن هناك مسألتين تكبحان جماح المغامرات  الإسرائيلية لوأد الإتفاق النووي الإيراني.

المسألة الأولى تبرز في رغبة بايدن الواضحة بمنع نتنياهو من المغامرة بمصير المنطقة، والثانية تتجلى بما تملكه إيران من قدرة على الرد المؤلم على كل المواقع التي تنطلق منها عمليات ضدها أكانت من اسرائيل او الخليج او غيرها، في حال كان الهجوم الاسرائيلي يجتاز الخطوط الحمراء القابلة للاستيعاب.

في الختام، في ظل التريث الإيراني الحذر واللامبالاة التي تبديها إدارة بايدن تجاه الأصوات الداعية للجوء إلى الحلّ العسكري ضد إيران، يبقى الخطر في الساحات الأخرى ، ولا شك ان لبنان وسورية يُشكلان أحدى أخطر هذه الساحات لمغامرة اسرائيلية محدودة، أما اذا شعرت اسرائيل فعلا بأن القنبلة صارت قاب قوسين أو ادنى فإنها قد لا تتردد في مهاجمة ايران والسعي لجر دول أخرى إليها، لذلك فان بايدن  والاتحاد الاوروبي يسرّعان الخطى لسحب هذا البساط من تحت أقدام اسرائيل وإعادة ايران الى التفاوض على أساس ان هذا هو الحل الوحيد الذي يمنعها من انتاج قنبلة نووية وتقليص دورها وربما صواريخها الباليسيتية. السباق اذا اليوم ليس بين ايران وبايدن وانما بين الرئيس الاميركي ونتنياهو وغانتس.

خمس نجوم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى