إيران تُقلّص التزاماتها النوويّة: لِتمتثلْ أميركا أوّلاً
تمضي إيران في التصعيد نوويّاً، في ظلّ تذبذب القوى الأوروبية الموقِّعة على الاتفاق النووي، والتي لا تفتأ تنتظر استيضاح رؤية «الحركة التصحيحية» في البيت الأبيض إزاء هذا الملفّ، للبناء عليها؛ وبعدما خطت، مطلع العام الجاري، في اتّجاه رفع تخصيب اليورانيوم إلى 20%، وهي أعلى نسبة وصلت إليها قبل التوقيع على الاتفاق النووي في عام 2015، باشرت الجمهورية الإسلامية إنتاج اليورانيوم المعدني، تقليصاً لالتزاماتها بموجب «خطّة العمل الشاملة المشتركة»، واستكمالاً لمسار «الردّ المتدرّج» الذي دشّنته منتصف عام 2019، ردّاً على انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق واعتمادها سياسة «الضغوط القصوى». وباستثناء الوعود الانتخابية، لم تبادر إدارة الرئيس الأميركي الجديد، جو بايدن، إلى أيّ خطوةٍ من شأنها إظهار حسن النيّة؛ بل قالت، صراحة، إنها تنتظر من طهران أن تخطو الخطوة الأولى، وتعود إلى الامتثال الكامل بموجب الصفقة النووية، قَبل أن يُقدِم البيت الأبيض على أيّ مبادرةٍ من جانبه، فيما تؤكّد إيران أنها لن تستأنف التزاماتها، ما لم يرفع الأميركيون العقوبات الاقتصادية التي أعادوا فرضها عليها.
حالة الشدّ والجذب هذه، في ظلّ الطرحَين المتقابلَين، لا توحي بقرب افتتاح المسار الدبلوماسي، ولا سيما أن إدارة بايدن التي تنتهج سياسة تخبّط واضحة على غير جبهة، تضع الطرف الآخر، أي إيران، أمام خيار لا يمكن أن تَقبله، كون الولايات المتحدة هي التي بادرت إلى الانسحاب وأعادت فرض العقوبات، ما يحتّم عليها، تالياً، القيام بالخطوة الأولى، وفق وجهة النظر الإيرانية. لكن إدارة بايدن التي أوضحت أنها لن تبادر إلى رفع العقوبات عن طهران ما دامت الأخيرة «لا تحترم التزاماتها» في الملفّ النووي، تُجمّد المسار التفاوضي في الوقت الراهن، فيما ترهن التوصل إلى أيّ اتفاق «موسّع» بالتشاور مع حلفائها. وقال وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، أول من أمس، إن «مسؤولي الإدارة الأميركية يواصلون الحديث عن ضرورة امتثال إيران لخطة العمل الشاملة المشتركة»، متسائلاً: «باسم ماذا يفعلون ذلك؟ الولايات المتحدة كفّت عن المشاركة في هذه الاتفاقية في أيار/ مايو 2018، وانتهكت خطّة العمل الشاملة المشتركة، وعاقبت أولئك الذين امتثلوا لقرار الأمم المتحدة. حتّى اليوم، لا تزال الولايات المتحدة على الموقف نفسه تماماً. قبل أن تَعظِوا الآخرين، امتثلوا». وعادت الناطقة باسم البيت الأبيض، جين ساكي، لتدعو طهران إلى الامتثال الكامل لالتزاماتها بموجب الاتفاق، لتفعل الولايات المتحدة الشيء نفسه، مشيرةً إلى احتمال عَقدِ محادثات مع الشركاء والحلفاء من خلال مجموعة «5+1»، لكن ذلك سيكون الخطوة التالية في العملية.
وغداة تقرير لـ»الوكالة الدولية للطاقة الذرية» أكّد شروع إيران في إنتاج اليورانيوم المعدني في أحدث إجراء ضمن سياسة الجمهورية الإسلامية للتخلّي تدريجاً عن التزاماتها المنصوص عليها في اتفاق عام 2015، دعت كلّ من باريس وموسكو، طهران، أول من أمس، إلى التحلّي بالمسؤولية على صعيد الملفّ النووي. وقالت وزارة الخارجية الفرنسية، في بيان، إنّه «من أجل الحفاظ على الحيّز السياسي للبحث عن حلّ تفاوضي، ندعو إيران إلى تجنّب اتّخاذ أيّ تدبير جديد يؤدّي إلى مفاقمة الوضع». بدوره، أبدى نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف، لوكالة «ريا نوفوستي» للأنباء، تفهّماً لـ»منطق الإجراءات والأسباب التي تدفع إيران»، ولكن، على رغم ذلك، «فمِن الضروري التحلّي بضبط النفس والنهج المسؤول». في هذا الوقت، أعربت الخارجية الفرنسية، في بيانها، عن «الترحيب برغبة الإدارة الأميركية الجديدة في العودة إلى مقاربة دبلوماسية للملف النووي الإيراني بهدف الرجوع إلى خطة العمل الشاملة المشتركة»، فيما دعا ريابكوف الولايات المتحدة إلى «رفع العقوبات المفروضة على طهران» وإلى «عدم الإطالة بلا داعٍ».
في الاتجاه نفسه، جاء ردّ كبرى الدول الأوروبيّة الموقِّعة على الاتفاق، إذ اعتبرت أن طهران، ومن خلال إنتاجها اليورانيوم المعدني، تجازف بفقدان فرصة مباشرة الجهود الدبلوماسية لتنفيذ اتفاق عام 2015 بالكامل. وجاء في بيان مشترك لبريطانيا وفرنسا وألمانيا: «من خلال زيادة عدم امتثالها، تقوّض إيران فرصة العودة إلى الدبلوماسية لتحقيق أهداف خطة العمل الشاملة المشتركة بشكل كامل». وأضافت هذه الدول: «تلتزم إيران بموجب الاتفاق بعدم إنتاج اليورانيوم المعدني، وعدم إجراء البحوث والتطوير في مجال تعدين اليورانيوم لمدّة 15 عاماً». وقالت، في بيانها: «نعيد التأكيد أن هذه الأنشطة التي تشكّل خطوة أساسية في تطوير سلاح نووي، تفتقر إلى أيّ مسوّغ مدني موثوق به في إيران»، داعيةً الأخيرة، في الوقت نفسه، إلى «وضع حدّ لأنشطتها دون إبطاء، والامتناع عن أيّ انتهاك آخر لالتزاماتها النووية».
صحيفة الأخبار اللبنانية