تحليلات سياسيةسلايد

اتفاق غزة هدنة مؤقتة على ركام حرب طويلة

ترامب مصمم على الضغط على كل من إسرائيل وحماس مما يقلل من فرص استئناف الحرب حتى ولو كانت التجارب السابقة تحذر من الإفراط في التفاؤل.

 

يشكّل اتفاق وقف إطلاق النار في غزة محطةً ضرورية لكنها غير كافية في مسار الصراع الممتد. فهذه الهدنة، وإن أوقفت نزيف الدم مؤقتًا، تبدو أقرب إلى استراحة محارب منها إلى تسوية حقيقية. ما تحقق حتى الآن ليس سلامًا، بل إدارة جديدة للأزمة على ركام حربٍ أنهكت الجميع دون أن تغيّر موازين القوة أو تفتح أفقًا سياسيًا واضحًا. فالقضايا الجوهرية – من إعادة الإعمار إلى مستقبل الحكم في القطاع – ما زالت معلّقة على خيوط تفاوض هشّة تتأرجح بين الضغوط الدولية وحسابات الفصائل. وبينما يسعى الوسطاء لتثبيت التهدئة، تبقى جذور الصراع، من الاحتلال إلى الانقسام الداخلي، دون معالجة. لذلك تبدو الهدنة أشبه بـ فاصل مؤقت في حرب طويلة، أكثر منها بداية لسلام مستدام، ما لم يُترجم هذا الاتفاق إلى مسار سياسي يعيد للقضية الفلسطينية مركزيتها ويضع حدًا لدائرة الدم المتكررة.

وقال الرئيس الأميركي دونالد ترامب إن الاتفاق الذي توصلت إليه إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية “حماس” يمثل الخطوة الأولى باتجاه “سلام قوي وصامد ودائم” ينهي حرب غزة المستمرة منذ عامين، فيما لا يخلو الاتفاق من عقبات تثير مخاوف من استئناف الحرب.

والاتفاق، الذي تم التوصل إليه الأربعاء في منتجع شرم الشيخ المصري، ليس سوى مرحلة أولية تشمل مبادلة الرهائن المحتجزين في غزة مع سجناء فلسطينيين وانسحابا إسرائيليا جزئيا من القطاع.

وشرم الشيخ موقع مفضل منذ عقود لعقد مؤتمرات سلام خاصة بالشرق الأوسط، والتي لم تحقق نجاحات كبيرة. وأرجأ المفاوضون التطرق لعقبات كثيرة تتعلق بقضايا شائكة كانت سببا في تعثر مبادرات سابقة، مثل الانسحاب الإسرائيلي الكامل ونزع سلاح حماس ومن سيضمن عدم استئناف الحرب بعد هذه المرحلة وكيف يكون ذلك.

هل سكتت البنادق؟

ليس بعد. فرغم مطالبة ترامب بوقف القصف الإسرائيلي بعدما أشارت حماس يوم الجمعة إلى موافقتها جزئيا على خطته المكونة من 20 نقطة، لم تتوقف الغارات الجوية والقصف. وقُتل عشرات الفلسطينيين، وخاصة بمدينة غزة وفي محيطها.

لكن القصف أصبح متقطعا أكثر منذ إعلان ترامب التوصل إلى اتفاق الأربعاء، مما أثار احتفالات في إسرائيل حيث تجمعت عائلات الرهائن في ما يسمى بساحة الرهائن في تل أبيب. وفي غزة حيث تجمع الناس وسط الأنقاض حتى مع سماع دوي انفجارات.

كيف يختلف هذا الاتفاق عن الاتفاقات التي انهارت؟

رغم أنه اتفاق مرحلي، هناك فرق ملحوظ بينه وبين اتفاقات وقف إطلاق النار السابقة وهو عدم وجود موعد نهائي للتوصل إلى اتفاق كامل. فهو لا يحدد مهلة لبضعة أسابيع يمكن بعدها استئناف الأعمال القتالية في حالة تعثر المحادثات.

ولا يزال الجدل محتدما حول ما إذا كان ذلك سيجعل هذا الاتفاق أكثر استدامة إذ يوجد في صفوف الحكومة الائتلافية اليمينية بزعامة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو من يتحدثون بالفعل عن استمرار الحرب. ودعا وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، وهو معارض شرس لتقديم أي تنازلات للفلسطينيين، إلى القضاء على حماس بعد إعادة الرهائن.

لكن ترامب أبدى هذه المرة، بصراحة أكبر، تصميمه على الضغط على الجانبين، مما يقلل من فرص استئناف الهجوم الإسرائيلي أو التأجيل من جانب حماس، حتى ولو كانت التجارب السابقة تحذر من الإفراط في التفاؤل.

وأعلن الرئيس الأميركي، وهو يقف بجانب نتنياهو في واشنطن الأسبوع الماضي، خطته التي بدت وكأنها عرض لحماس بقبولها بالكامل أو رفضها بالكامل. ومع ذلك، لم توافق حماس على كل نقاطها.

وطالب ترامب إسرائيل بوقف القصف على الفور. ومع مرور أيام على محادثات شرم الشيخ، حذر حماس من أن “جحيما لم يشهده أحد من قبل سيندلع” إذا لم توافق على الخطة.

وبتأكيده على سلطته، ربما يكون قد قطع شوطا في الإجابة على السؤال المحوري وهو: من سيضمن عدم انهيار هذا الاتفاق أمام العقبة التالية؟

ومن المتوقع أن يدخل وقف إطلاق النار حيز التنفيذ فور موافقة الحكومة الإسرائيلية عليه في اجتماع متوقع اليوم الخميس. وستنسحب إسرائيل بعد ذلك إلى الخطوط المحددة في غضون 24 ساعة. وبمجرد سريان الهدنة، من المقرر أن تطلق حماس سراح الرهائن في خلال 72 ساعة، ربما يوم الاثنين.

وينتظر بدء تدفق المساعدات الإنسانية للفلسطينيين بعد ذلك. وتدعو خطة ترامب أيضا إلى تشكيل قوة دولية لتثبيت الاستقرار، والتي قد تبدأ ملامحها في التبلور عندما يجتمع وزراء أوروبيون ومسؤولون كبار من دول عربية اليوم الخميس في باريس حيث سيناقشون أيضا قضايا، مثل مستقبل إدارة غزة وإعادة إعمارها والمساعدات ونزع سلاح حماس.

ومن المتوقع أن يزور ترامب المنطقة خلال الأيام المقبلة. وقال البيت الأبيض إنه يدرس التوجه إلى هناك غدا الجمعة.

ما هي الحسابات السياسية المحتملة لحماس وإسرائيل؟

يبدو أن كلا من إسرائيل وحماس عازمتان على إظهار رد إيجابي على خطة ترامب، لكنهما تواجهان حساباتهما السياسية الخاصة.

فالبنسبة لنتنياهو، ربما تكون موافقته على الخطة مبنية على حساباته إذ تمكنه من عدم إغضاب ترامب والولايات المتحدة، حليف إسرائيل الأهم، وكسب تأييد الرأي العام الإسرائيلي المتلهف لإنهاء الحرب مع تقديم أقل قدر ممكن من التنازلات لتجنب إغضاب شركائه في الائتلاف القومي الديني.

وعلى سبيل المثال، تقدم خطة ترامب مسارا محتملا، وإن كان مقرونا بشروط، لإقامة دولة فلسطينية رغم أن نتنياهو أكد أن ذلك لن يحدث أبدا.

وتخلت حماس عن معارضتها لأي خطة جزئية بسبب خطر استئناف الحرب بعد تسليم الرهائن. ووافقت على اتفاق يدعو إلى نزع السلاح، وهو ما ترفضه مرارا وتكرارا.

ولم يكن أمام الحركة أي خيار، تحت ضغط دول عربية وتركيا وترامب، سوى قبول الخطة. لكنها ربما قدرت أن تصميم ترامب على إنهاء الحرب هو أفضل ضمانة على عدم استئنافها في الوقت الحالي، وجلست على طاولة المفاوضات في شرم الشيخ لتشكيل مستقبل الفلسطينيين رغم أن الاتفاق يسعى إلى تهميشها.

ترحيب دولي وأممي

ورحبت عدة دول ومنظمات اليوم الخميس بالاتفاق، من ذلك أن الممثلة العليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس اعتبرت في تدوينة على منصة شركة “إكس” الأمريكية، أن الموافقة على المرحلة الأولى من خطة ترامب “نجاح دبلوماسي مهم”، مؤكدة استعداد التكتل لتقديم الدعم بهذا الصدد.

من جانبها، أعربت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين في تدوينة على “إكس” عن تقديرها لجهود الولايات المتحدة وقطر ومصر وتركيا في سبيل إنجاز الاتفاق.

ودعت كافة الأطراف إلى الامتثال الكامل لبنود الاتفاق، مشددة على أن الاتحاد الأوروبي سيواصل دعم إيصال المساعدات الإنسانية إلى غزة بشكل سريع وآمن.

كما نشر رئيس مجلس التكتل أنطونيو كوستا ورئيسة البرلمان الأوروبي روبرتا ميتسولا بيانات ترحيبية بالاتفاق.

ووصفت رئيسة الوزراء الإيطالية جيورجيا ميلوني الاتفاق بأنه “خبر استثنائي”، معربة عن شكرها لترامب وتركيا ومصر وقطر للعبهم دورًا حاسمًا في التوصل إليه. واعتبرت في بيان أن الاتفاق وخارطة الطريق الأوسع في خطة ترامب يمثلان “فرصة فريدة” لإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

وأكد رئيس الوزراء الهولندي المؤقت ديك شوف، ووزير الخارجية ديفيد فان ويل عبر “إكس”، أن إعلان اتفاق وقف إطلاق النار في غزة تطور طال انتظاره.

ورحب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عبر “إكس”، بالاتفاق، واصفًا إياه بأنه “أمل كبير” للأسرى وللفلسطينيين في غزة وللمنطقة.

وأكد ماكرون ضرورة أن يضمن هذا الاتفاق إنهاء الحرب وفتح الطريق لحل سياسي قائم على حل الدولتين، فلسطينية وإسرائيلية.

ووصف رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف في تدوينة على “إكس”، أن إعلان الاتفاق الذي ينهي الإبادة الجماعية في غزة “فرصة تاريخية” من أجل تحقيق سلام دائم في الشرق الأوسط.

وقال رئيس الوزراء الماليزي أنور إبراهيم “أرحب بالتقدم الذي تم إحرازه في المفاوضات من أجل وقف إطلاق النار في غزة، وهذا التطور يعتبر أملًا بعد الألم والدمار الذي لا يحمل، والمستمر منذ أشهر”.

ورحب رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي في تدوينة على حسابه بمواقع التواصل الاجتماعي، باتفاق وقف إطلاق النار المنتظر أن يدخل حيز التنفيذ في غزة.

وأعلن رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر في بيان، ترحيبه باتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه في غزة، قائلا “لحظة شعرنا بالارتياح العميق فيها بجميع أنحاء العالم”، مبينًا أنه هذا ما يشعر به بشكل خاص الأسرى وعائلاتهم والفلسطينيون في غزة الذين واجهوا كل أنواع المعاناة خلال العامين الماضيين.

وأعرب المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية غيو جياكون عن أمل بلاده التوصل إلى وقف شامل ودائم لإطلاق النار في المنطقة بأقرب وقت، في إطار اتفاق وقف إطلاق النار بغزة وأكد جياكون في مؤتمر صحفي، ضرورة حل الأزمة الإنسانية في المنطقة بشكل فعال، وخفض التوتر.

كذلك اعتبر مفوض عام الأونروا فيليب لازاريني الاتفاق “مصدر ارتياح كبير”، قائلاً إن “طواقمنا بغزة أساسية في تنفيذ هذا الاتفاق، بما في ذلك تقديم الخدمات الأساسية مثل الرعاية الصحية والتعليم”.

وأوضح المسؤول الأممي، عبر إكس، أن “هذا الاتفاق سيمنح فترة راحة لأولئك الذين نجوا من أعنف قصف ونزوح وخسائر وأحزان على مدى عامين طويلين”.

كما جدد التأكيد أن “أكثر من 660 ألف طفل ينتظرون بفارغ الصبر العودة إلى مقاعد الدراسة، ومعلمو الأونروا مستعدون لمساعدتهم على تحقيق ذلك”.

وأكد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي أن بلاده “ستواصل العمل مع الولايات المتحدة والوسطاء والأطراف المعنية لتنفيذ ما تم الاتفاق عليه بشأن غزة بإخلاص ومسؤولية”، مجددا دعوته اترامب، لحضور حفل توقيعه التاريخي بمصر.

وفي سياق مصتل اجتمع أوثق شركاء الولايات المتحدة الأوروبيين والعرب في باريس اليوم الخميس لبحث سبل رسم مستقبل غزة بعد الحرب. وقالت كايا كالاس لصحفيين “هذه أفضل فرصة لدينا حاليا… لكن علينا العمل على خطة ما بعد الحرب لتكون مستدامة، ولهذا السبب أيضا نحن هنا”.

وافتتح ماكرون الاجتماع، وقال إن الهدف هو العمل بالتوازي مع خطة الولايات المتحدة، وإن المناقشات في باريس مكملة لها. وصادقت الجمعية العامة للأمم المتحدة الشهر الماضي على إعلان يحدد خطوات باتجاه حل الدولتين ويندد بحماس ويدعوها إلى الاستسلام والتخلي عن سلاحها. واستبعد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تأييد قيام دولة فلسطينية مستقلة إلى جانب إسرائيل.

وحضر الاجتماع مسؤولون من بينهم رئيس وزراء قطر الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، وهو أحد الوسطاء في وقف إطلاق النار، ووزيرا خارجية مصر وتركيا اللتين لعبتا دورا رئيسيا في إقناع حماس بالموافقة على الاتفاق.

وكان من المقرر حضور وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، لكنه مشاركته ألغيت. ولم ترسل الولايات المتحدة ممثلا عنها في الاجتماع رغم إصرار مسؤولين فرنسيين على أن هناك تنسيقا وثيقا مع واشنطن.

وانتقد وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر مؤتمر باريس في وقت متأخر من الأربعاء ووصفه بأنه “بلا مبرر ومسيء” مما يسلط الضوء على تدهور العلاقات بين فرنسا وإسرائيل.

وأضاف أن المبادرة الفرنسية أعدت “من وراء ظهر إسرائيل” وهي وسيلة من ماكرون لصرف الانتباه عن مشاكله السياسية الداخلية.

وأكد رئيس وفد حركة حماس المفاوض خليل الحية في وقت لاحق تسلم حركته ضمانات من الوسطاء والإدارة الأميركية بانتهاء الحرب على قطاع غزة دون عودة.

وأضاف أنه سيتم ضمن المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى إطلاق سراح 250 فلسطينيا من أسرى المؤبدات و1700 من الذين اعتقلوا بعد بدء حرب الإبادة على القطاع.

ميدل إيست أونلاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى