اتفاقيات سوتشي من شرق الفرات إلى غربه.. إدلب هي المفتاح
اتفاقية سوتشي التي وقّع عليها الرئيسان رجب طيب إردوغان وفلاديمير بوتين في 17 أيلول/سبتمبر 2018 كانت واضحة ولا تحتاج لأي تأويل أو تفسير أو تحليل يبرر تأخير تطبيقها.
فقد تحدثت المادة الثالثة من الاتفاقية عن إقامة منطقة منزوعة السلاح بعمق 15-20 كيلومتراً داخل منطقة خفض التصعيد، وأكدت في مادتها الخامسة على ضرورة إبعاد الجماعات الإرهابية الراديكالية كافة عن المنطقة منزوعة السلاح بحلول 15 تشرين الأول/أكتوبر.
واشترطت المادة السادسة سحب جميع الدبابات وقاذفات الصواريخ متعددة الفوهات والمدفعية ومدافع الهاون الخاصة بالأطراف المتقاتلين من داخل المنطقة المنزوعة السلاح قبل 10 تشرين الأول/أكتوبر 2018، على أن تضمن الاتفاقية في مادتها السابعة حرية حركة السكان المحليين والبضائع، واستعادة الصلات التجارية والاقتصادية في المنطقة مع ضمان حركة الترانزيت (المادة الثامنة) عبر الطريقين M4 (حلب-اللاذقية) وM5 (حلب-حماة) بحلول نهاية 2018.
بعد 16 شهراً بالتمام والكمال من التوقيع عليها يبقى السؤال: ما الذي تحقق من هذه الاتفاقية ببنودها العشرة؟ وهو عدد بنود الاتفاقية التي وقّع عليها بوتين وإردوغان في سوتشي أيضاً في 22 تشرين الأول/أكتوبر الماضي وسمحت بموجبه روسيا للقوات التركية بدخول شرق الفرات في المنطقة الممتدة بين رأس العين وتل أبيض بعمق 30 كلم وفق المادة الثالثة من هذه الاتفاقية.
وأكد الطرفان في المادة الرابعة من الاتفاقية على أهمية اتفاقية أضنة التي تم التوقيع عليها في 22 تشرين الأول/أكتوبر 1998 بين سوريا وتركيا وضد حزب العمال الكردستاني الذي خرج زعيمه عبدالله أوجلان من سوريا في 9 تشرين الأول/أكتوبر من ذاك العام.
وتتعاون تركيا وروسيا حالياً وفق المادة الخامسة من اتفاقية سوتشي2 لإبعاد وحدات حماية الشعب الكردية، وهي امتداد لحزب العمال، إلى خارج منطقة عملية “نبع السلام” ومعها جميع أسلحتها، بعيداً من الحدود مع تركيا بعمق 30 كلم وذلك خلال 150 ساعة.
وتحدثت الاتفاقية في مادتها الخامسة عن تسيير دوريات تركية وروسية مشتركة غرب منطقة عملية “نبع السلام” وشرقها بعمق 10 كم باستثناء مدينة القامشلي. وأشارت المادة السادسة إلى إخراج جميع عناصر وحدات الحماية الكردية ونشر وحدات سورية وروسية على الشريط الحدودي السوري مع تركيا خارج المنطقة التي تسيطر عليها القوات التركية بين رأس العين وتل أبيض.
وخلافًا لاتفاقية سوتشي1 فإن اتفاقية سوتشي2 تُطبق بنحو كامل من جانب كل الأطراف بمن فيهم الجانب الكردي، الذي ما زال يحظى بدعم الرئيس الأميركي دونالد ترامب والذي يتحدث باستمرار عن استيلائه على النفط السوري، وهو كلام غير جدي ما دامت حسابات ومخططات واشنطن في ما يتعلق بشرق الفرات والعراق وإيران أكبر من ذلك بكثير وهي لم تنتهِ بعد.
ويفسر ذلك اغتيال قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس فجر الثالث من الشهر الحالي، والجميع يعرف أن الوجود العسكري الأميركي في سوريا والعراق لعب دوراً تقنياً هاماً في هذه العملية، وكذلك في حادثة إسقاط الطائرة الأوكرانية عن طريق الخطأ من قبل الحرس الثوري الإيراني.
والسؤال: لماذا لم تلتزم أنقرة بتعهداتها في اتفاق سوتشي1 الخاص بإدلب، مع استمرار الاهتمام التركي وعلى جميع المستويات وفي الجبهات كافة بتطورات الوضع العسكري في إدلب، ما أزعج موسكو أكثر من مرة؟
ففي كل عملية عسكرية للجيش السوري تستهدف تحرير المدينة والتخلص من الإرهابيين هناك، يتصل إردوغان فوراً بنظيره الروسي فيتوعده ويهدده إذا لم يوقف الجيش السوري المدعوم من الطائرات الروسية عملياته في المنطقة.
وعلى الرغم من هذا الوعيد والتهديد فقد استطاع الجيش السوري منذ الصيف الماضي تحرير عدد من البلدات الاستراتيجية، ولكن لم يضمن بعد حركة المرور في الطريق الدولي بين حلب ودمشق واللاذقية، وهو ما أشار إليه اتفاق سوتشي1.
ومن دون أن يحالف الحظ بوتين لإقناع أو إجبار إردوغان على التطبيق النهائي للاتفاقية، وكما هي الحال في شرق الفرات حيث اتفق الجميع ضد الكرد، فيما استمر إردوغان في غرب الفرات بموقفه الداعم بشكل مباشر أو غير مباشر للفصائل المسلحة بما فيها “جبهة النصرة” حتى لا يُقال عنه “إنه حارب الإسلاميين أو قتلهم أو تآمر عليهم مع الكفار الروس والعلويين والشيعة”.
هذا ما يفسّر رد فعل إردوغان على عمليات الجيش السوري المدعوم من روسيا وإيران وحزب الله في إدلب التي أصبحت شغله الشاغل هو والإعلام الموالي له. فقد نجح إردوغان في جميع مساوماته مع بوتين في سوريا، والآن في ليبيا، ملوّحاً بورقة إدلب التي بات واضحاً أنه لا ولن يتخلى عنها لأسباب سياسية وعسكرية واستراتيجية وعقائدية عديدة، أهمها أن أنقرة بحاجة إلى المقاتلين الإسلاميين هناك، أياً كانت انتماءاتهم الفصائلية، من المتطرف إلى المعتدل مروراً بأولئك المنضوين في صفوف ما يُسمى “الجيش الوطني السوري” المعارض.
ويرى إردوغان في هؤلاء سلاحه الأقوى الذي يهدد ويتوعد به بوتين ومن خلفه سوريا وإيران وحزب الله، ما دام جميع هؤلاء المسلحين قد تربّوا على هذه العقيدة التي ترى في إدلب كلمة السر في مجمل الحسابات التركية في سوريا ومن خلالها في العراق والمنطقة عموماً، وذلك بحسب رأي العديد من الجنرالات والدبلوماسيين المتقاعدين.
في هذا الإطار يقول الجنرال المتقاعد خلدون صولماز تورك والجنرال المتقاعد أحمد ياووز “إن إردوغان لن يتخلى عن هؤلاء الإسلاميين ما دامت أنقرة بحاجة إليهم في حال وقوع أي مواجهات ساخنة مع وحدات حماية الشعب الكردية شمال شرق سوريا وفي جوار عفرين والمناطق المتاخمة لإدلب”.
ويتحدث الجنرالات ومعهم دبلوماسيون متقاعدون وأساتذة جامعيون عن مساعي إردوغان لكسب كل “المتطرفين” في إدلب وجوارها إلى جانب أنقرة ما دامت المصالح مشتركة بين الطرفين في معاداة “نظام الأسد”. فقد أثبت إردوغان بتصريحاته وتصرفاته وتحركاته الأخيرة أن الأسد سيبقى “العدو الأكبر” له بسبب صموده وصمود الدولة السورية، وهو المسؤول عن فشل المشروع الإخواني التركي في المنطقة عموماً.
هنا يطرح الكثيرون عدداً من التساؤلات حول الموقف المحتمل لإردوغان، ليس فقط في إدلب، لمنع الجيش السوري من دخولها، بل في ما يتعلق بعدم الانسحاب من غرب الفرات وشرقه. وإلى أن يتفق مع إردوغان مع بوتين في سوتشي3 أو 4 أو 5 على تفاصيل الحل النهائي للأزمة في سوريا التي أعلن في سوتشي 1 و2 عن التزامه بوحدة ترابها وسيادتها الكاملة، يبقى أن كل ما فعله ويفعله كان وما زال عكس هذا الكلام ما دام الأسد يحكم في دمشق!
وإلا فلماذا تستمر أنقرة في عمليات تتريك المنطقة التي يوجد فيها الجيش التركي شرق الفرات وغربه؟
ثم لماذا يرفرف العلم التركي في جميع هذه المناطق التي يحكمها مسؤولون أتراك يأتمر بأوامرهم عشرات الآلاف من السوريين من عناصر الأمن والجيش والمخابرات وكأنهم موظفون لدى الدولة التركية؟
كما لا تمر أي مناسبة إلا ويهاجم فيها إردوغان صديقه القديم بشار الأسد، ليبرر بذلك موقفه الحالي والمحتمل في سوريا للشعب التركي أولاً، وثانياً لكل من يعتقد أنهم معه في سوريا والمنطقة، وثالثاً أمام الأطراف الآخرين المهتمين بالملف السوري إقليمياً ودولياً.
يقول إردوغان لهؤلاء إنه الأقوى بفضل حضوره العسكري وبفضل عشرات الآلاف من المسلحين في غرب الفرات وشرقه بمن فيهم مسلحو “جبهة النصرة” ولا سيما الأجانب منهم، ويتحدث الإعلام بأدق التفاصيل عن تحالفهم الاستراتيجي مع تركيا في سوريا، والآن في ليبيا، ولاحقاً في أماكن أخرى، ولكل شيء دائماً ثمن ومعنى وهدف.
الميادين نت