احتجاجات تركية تكشف عن مفارقة مريرة

 

تكمن في الأحداث التركية مفارقة مريرة. فالرجل الذي قال للدكتاتور المصري حسني مبارك قبل سقوطه إنه "لايمكن لأي حكومة أن تبقى رغماً عن شعبها"، وصف محتجيه المدنيين باللصوص والأوباش والعملاء. والرجل الذي أعاد الجيش التركي إلى ثكناته، وتصدى لقوة الدولة العميقة في تركيا، أرسل شرطة مكافحة الشغب اخيراً لاعتقال أكثر من 50 محامياً احتجوا على وحشية الشرطة، والرجل الذي أسست إصلاحاته حريات ديمقراطية غير مسبوقة في تركية، لا يستطيع مواجهة عواقبها.
تمثلت استجابة رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان لمناشدات بالإصغاء والتنازل في التحدي والغاز المسيل للدموع ومدافع المياه، ورداً على الاتهام القائل أن رد فعله حيال الاحتجاجات في حديقة "غيزي" وساحة "تقسيم" في اسطنبول حوّل تظاهرة بيئية محلية إلى أزمة وطنية، تقمص أردوغان شخصية مارغريت تاتشر، رئيسة الوزراء البريطانية الراحلة، قائلاً: إذا كنتم تدعون هذا خشونة، فأنا آسف. ولكن طيب أردوغان هذا لن يتغير. تركيا، من جهة أخرى، تغيرت.
لقد واجهت قوات الشرطة في أيطاليا وبريطانيا والولايات المتحدة مشكلاتها الموثقة الخاصة في التعامل مع الاحتجاج السياسي ولكن من وجهة نظر أردوغان، فإن شيئاً غير الاحتجاج السياسي الحقيقي يحدث وهناك مؤامرة أيضاً و "الصورة الكبيرة" وراء المحتجين، حسبما قيل إنه أخبر أعضاء حزبه، هي القوى التي تريد تخريب اتفاقه التاريخي مع الأكراد، والمنتفعون الذين أغضبهم سعي الحكومة لخفض معدلات الفائدة تحت 5% والقوى الأجنبية التي لا يمكنها أن تتقبل تحول تركية إلى قوة دولية، وتلك قائمة طويلة.
غير أن تسليط الضوء على الجانب المظلم من الاحتجاجات يعني إنكار سبب انتشارها وهو إحباط العديد من المواطنين حديثي التمكين إزاء السلوك الأبوي المتبع من قبل رئيس الوزراء التركي. لقد ألحق أردوغان بصورته كقائد ضرراً هائلاً.

صحيفة الغارديان البريطانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى