ارتفاع الإيجارات يشرد الأتراك ويدفع العنف إلى الشوارع
شهدت الإيجارات في تركيا ارتفاعا قياسيا، ما أدى إلى اندلاع أعمال عنف بين أصحاب العقارات والمستأجرين، بعد انهيار الليرة التركية التي فقدت 55 بالمئة من قيمتها في عام واحد، وبسبب سياسة الرئيس رجب طيب أردوغان النقدية غير التقليدية.
ويعاني الأتراك أزمة غلاء معيشة تزايدت مع نسبة تضخم قياسية. وذهاب الوعود الانتخابية التي أطلقها الرئيس رجب طيب أردوغان خلال حملته الانتخابية في مايو الماضي، أدراج الرياح حيث تعهد بخفض التضخم ليصل إلى 10 بالمئة بعد وصوله إلى أكثر من 50 بالمئة، كما وعد بمضاعفة رواتب موظفي القطاع العام. وعلى صعيد كارثة الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا، قطع أردوغان وعدًا بإعادة المحافظات المنكوبة أولوية بعد تحقيقه الفوز مؤكدًا محو آثار الزلزال قريبًا، لكن لم يتحقق شيء من هذه الوعود.
وعلق التركي جنكيز أورسيل لافتة خارج ورشة النحت الخشبية الخاصة به للتنديد بطلب صاحب العقار رفع الإيجار إلى مستوى غير مسبوق، بينما يجد الحرفي نفسه مهددا بالإخلاء بعد عشرين عاما.
وتقول اللافتة “مطلوب 25 ألف ليرة (ما يعادل 911 دولارا) إيجارا لهذا المحل”، بدلا من 3200 ليرة (117 دولارا) شهريا.
تركيا سجلت تسارعا في التضخم خلال آب/أغسطس لامس 60 في المئة على فترة سنة، بينما يقول اقتصاديون مستقلون إن زيادة أسعار المستهلك وصلت فعليا إلى 128 بالمئة على الأقل.
وبحسب دراسة نشرتها جامعة بهتشه شهير التركية في آب/اغسطس، ارتفعت الإيجارات خلال العام الماضي بنسبة 121 بالمئة. وفي المدن الكبرى مثل أنقرة واسطنبول، بلغت نسبة الارتفاع 188 بالمئة.
ويخشى أورسيل الذي دفع ايجار المحل بانتظام لمدة 20 عاما أن يضطر للإغلاق. وأضاف “أريد أن يتم سماع صوتي. هذه المطالب ستدفع الناس إلى حافة العنف، وصولا إلى قيامهم بطعن بعضهم البعض”. وأفادت وسائل الإعلام عن مقتل 11 شخصًا وإصابة 46 آخرين.
وتابع “لا أستطيع دفع ذلك!”، متداركا “لكن إذا اضطررت لترك هذا الحي، سأخسر حرفتي أيضا”.
وسجّلت تركيا تسارعا في التضخم خلال آب/أغسطس إذ لامس نسبة 60 في المئة على فترة سنة، لكن يشكك اقتصاديون مستقلون بذلك ويقولون إن زيادة أسعار المستهلك وصلت فعليا إلى 128 بالمئة على الأقل.
وفي مواجهة الارتفاع القياسي، حددت الحكومة سقفا لزيادة إيجارات العقارات ب 25 بالمئة، بما يتماشى مع نسبة التضخم الرسمية للأعمال.
لكن يؤكد خبراء أن هذه الإجراءات لم تؤد إلا إلى زيادة التوترات، ودفع الكثير من أصحاب العقارات إلى اللجوء إلى وسائل مختلفة- بينها غير قانونية لطرد وإخلاء المستأجرين والعثور على مستأجرين جدد مستعدين لدفع أسعار أعلى.
وذكر وكيل عقاري اشترط عدم الكشف عن اسمه أن بعض أصحاب العقارات لجأوا إلى استئجار عصابات لترويع المستأجرين لدفعهم إلى ترك منازلهم في حي بشكتاش في اسطنبول المطل على مضيق البوسفور.
والشتاء الماضي، تصدرت قصة قيام صاحب أحد العقارات بهدم بيت مستأجر لديه بالفأس لطرده بالقوة، عناوين وسائل الإعلام المحلية.
ولاحظت المحامية في أنقرة مليحة سيلفي أن “عدد الخلافات بين المستأجرين وأصحاب العقارات زاد بشكل كبير في السنوات الأخيرة”.
وقالت “يرى المستأجرون أن حقوقهم انتهكت بينما يشعر أصحاب العقارات بأن الأزمة ظلمتهم” مشيرة إلى أن الجانبين “يتبادلان الاتهامات بدلا من محاسبة الحكومة”.
وهذا العام، قالت وسائل إعلام تركية إن 47 ألف محاكمة افتتحت تتعلق بإخلاء مستأجرين، و100 ألف أخرى تتعلق بزيادة غير قانونية للإيجارات في الأشهر الستة الأولى من العام، تجاوزت الضعف مقارنة بالفترة نفسها من عام 2022.
إضافة إلى ذلك، فإن الزلزال المدمر الذي ضرب في السادس من شباط/فبراير، و دمّر جنوب البلاد ومناطق في سوريا وقتل أكثر من 55 ألف شخص، أدى أيضا إلى تفاقم الوضع، بحسب ما أوضح عثمان كال الذي يعمل وكيلا عقاريا في العاصمة أنقرة.
وقفزت قيمة إيجار شقة تتألف من غرفتين أو ثلاث وسط العاصمة من مبلغ يراوح بين 2000 و2500 ليرة شهريا (ما بين 70 إلى 86 يورو) لتصبح نحو 17 ألف ليرة (590 يورو تقريبا) في سنة واحدة، بزيادة قدرها 650 بالمئة تقريبا.
وقال كال “يطالب أصحاب العقارات بزيادة في الإيجار أعلى بكثير من التضخم” مع تدفق الكثير ممن فقدوا بيوتهم في الزلزال.
وتعد أنقرة التي تقع بعيدا عن خطوط التصدع الرئيسية التي تهدد البلاد، واحدة من أكثر المناطق أمانا.
وعلى الرغم من جهود إعادة الإعمار بعد الزلزال، ثمة نقص في المساكن ذات الأسعار المعقولة.
وأورد كال “يفضل المطورون بناء مساكن فاخرة مربحة بدلا من أخرى اجتماعية، والحكومة تسمح بذلك”.
ويبلغ الحد الأدنى الصافي للأجور في تركيا حاليا 11.400 ليرة (395 يورو).
وتشعر مريم ألتونلو هاتاي المتضررة بالزلزال وقدمت إلى العاصمة، حاليا بالقلق من ارتفاع الإيجارات. وقالت “أدفع حاليا 13 ألف ليرة (450 يورو) بصعوبة. وفي حال رغب المالك بزيادة أعلى من 25 بالمئة، سأضطر للمغادرة. لا أعرف أين أذهب”.
وقال تيموثي آش، خبير الاقتصاد في الأسواق الناشئة أن “التضخم فظيع جدًا”، مضيفا “سيزيد هذا الضغط على (البنك المركزي) لمواصلة رفع أسعار الفائدة بشكل كبير من 25 بالمئة في الوقت الحالي.”
وكان أردوغان معارضًا وبشدة لأسعار الفائدة المرتفعة بسبب قناعته غير التقليدية بأنها تسبب التضخم بدلاً من المساعدة في علاجه. وأدى قراره بدفع صناع القرار إلى خفض أسعار الفائدة في مواجهة ارتفاع أسعار المستهلكين إلى ارتفاع التضخم إلى 85 بالمئة العام الماضي.