استعدادات لإلغاء «قانون المقاطعة»: السودان يُسرّع مسار التطبيع
يبدو أن الحكومة السودانية ماضية بعزم نحو إكمال صفقة التطبيع مع العدوّ الإسرائيلي والتي لن تنتهي بالتوقيع على اتفاقيات اقتصادية مشتركة بين الجانبين، بل سترقى إلى مستوى تبادل التمثيل الدبلوماسي خلال الأشهر المقبلة، وفق ما أعلنت تل أبيب. ولأوّل مرّة منذ إثارة ملفّ تطبيع العلاقات بين السودان وإسرائيل، يَجري الحديث بصورة علنية عن زيارة وفد إسرائيلي إلى البلاد، والتقائه بمسؤولين سودانيين. وفيما تمّ الإفصاح عن هوية رئيس الوفد، وزير المخابرات الإسرائيلي إيلي كوهين، الذي كان في استقباله في مطار الخرطوم وزير الدفاع السوداني ياسين إبراهيم، أحيط بالكتمان ما دار خلف الأبواب المغلقة، سواءً في لقاء كوهين بإبراهيم، أو في اجتماعه برئيس «مجلس السيادة» عبد الفتاح البرهان، أو أثناء مباحثاته مع رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، الذي أكّدت مصادر مطّلعة لـ«الأخبار» لقاءه كوهين، وهو ما لم يكشف عنه حتى الوفد الإسرائيلي بعد عودته إلى تل أبيب، مثلما جرت العادة.
وبحسب المصادر، فإنّ حمدوك وعد الإسرائيليين باستيعاب السودانيين الذين تَسلّلوا إلى إسرائيل خلال العقود الماضية، ووجدوا أنفسهم في وضع معقّد؛ إذ إن إسرائيل لا ترغب في وجودهم، كما أنهم لا يمكنهم العودة إلى البلاد حيث لا تسمح القوانين السودانية بالسفر إلى إسرائيل ولا تستقبل بالتالي العائدين منها، وفق نصّ القانون المعنوَن بـ«قانون مقاطعة إسرائيل لسنة 1958»، الذي يحظر التجارة والسفر والاتصالات أو التعاقد الشخصي أو المؤسَّسي مع أيّ أشخاص أو هيئات إسرائيلية، كما يَحظر التعامل مع الشركات الوطنية والأجنبية التي لها فروع في إسرائيل، أو دخول البضائع ذات المنشأ الإسرائيلي إلى السودان أو عبورها أراضيه. ووفق هذا القانون، فإن المتسلّلين إلى إسرائيل يُحظَر دخولهم إلى الأراضي السودانية ما لم يتمّ تعديل النصوص، الأمر الذي تسعى وزارة العدل السودانية إلى تحقيقه، وفق المصادر نفسها، حتى تكتمل أركان اتفاقية التطبيع. ويرى محلّلون أنه في حال لم تُعدِّل الحكومة السودانية قانون حظر التعامل مع إسرائيل، فإن ذلك يعني أن كلّ المسؤولين السودانيين الذين تعاملوا مع الجانب الإسرائيلي يقعون تحت طائلة المحاسبة.
ونقل الوفد الإسرائيلي، لدى عودته إلى تل أبيب، رغبة السودانيين في المضيّ قُدُماً في طريق التطبيع الكامل. ووفق ما رَشَح من أنباء، فقد اتّفق الجانبان على فتح السفارات في كلا البلدين خلال الأشهر المقبلة. وبحسب مصدر دبلوماسي تحدّث إلى «الأخبار»، فإن إسرائيل تستعجل تبادل التمثيل الدبلوماسي وإقرار التعاون العسكري والأمني مع الدول المُطبِّعة، خشية تراجع تلك الدول عن قرارها، و«هذا ما يُفسّر حدوث زيارتين من الجانب الإسرائيلي إلى الخرطوم في وقت وجيز». وفي رأي المصدر الدبلوماسي، فإن مسألة تبادل السفراء مهمّة لدى الجانب الإسرائيلي، لأنها «تُمثّل تطبيقاً عملياً لاتفاق أبراهام، وتعكس جدّية الطرف العربي في تجاوز الخطوط الحمراء التي تواضع عليها العرب منذ إنشاء الكيان الصهيوني». وأضاف أن «إسرائيل تريد أن تتباهى أمام الدول العربية المتردّدة وأمام المجتمع الدولي بأنها سجّلت اختراقاً دبلوماسياً من دون أن تطلق رصاصة واحدة».
كذلك أبرم الطرفان اتفاقية استخباراتية وَقّع عليها من الجانب السوداني وزير الدفاع. وبحسب مراقبين، فإن السودان سعى إلى هذه الاتفاقية للاستفادة من القدرات الإسرائيلية في تأمين حدوده، لا سيما الحدود الشرقية التي تشهد توتّرات مع الجار الإثيوبي؛ فيما تتطلّع إسرائيل، التي تضع أمن البحر الأحمر في دائرة ما يُسمّى «أمنها القومي»، إلى إغلاق المنفذ الذي طالما أمدّ المقاومة الفلسطينية بالسلاح.
في المقابل، يستبعد محلّلون استفادة السودان من التكنولوجيا العسكرية الإسرائيلية، أقلّه في الوقت الراهن، وذلك نتيجة عدم امتلاك جيشه سلاحاً غربياً متطوّراً، بالإضافة إلى انعدام التدريب المتقدّم لضبّاطه وجنوده على هذا النوع من الأسلحة. وفي الإطار نفسه، يُقلّل متابعون من أهمّية اتفاقيات التعاون الاقتصادي والزراعي المُوقَّعة مع إسرائيل، التي تُمثّل تجاربها مع عدد من الدول الأفريقية خير دليل على عدم إتيان مثل تلك الاتفاقيات أُكُلها
صحيفة الاخبار اللبنانية