«الأهرام العربي» تنفرد بنشر الوثائق البريطانية السرية حول اغتيال السادات
لدى بريطانيا ما تخفيه عن يوم الاغتيال المفجع، ولا أحد يعلم متى ستعلن عنه، هى التى قالت ذلك عندما حاولنا الاطلاع على وثائقها السرية عن حادث المنصة الدامى الذى قتل فيه الرئيس محمد أنور السادات فى 6 أكتوبر عام 1981. قال لنا البريطانيون إنهم يفكرون فى الأمر مراعاة “لمصلحة بلادهم وعلاقتها مع دولة أخرى”، فى إشارة إلى مصر، على الأرجح.
وحتى تحسم أمرها، تظل وثائقها المتاحة مثيرة للكثير من الأسئلة الملحة: هل كانت لدى الإنجليز واستخباراتهم معلومات عن الاغتيال؟ وعن المنفذين المحتملين؟ لماذا كان الإسلاميون تحت مجهرهم قبل الحادث بسنوات؟ ماذا كانت رؤيتهم للتهديدات التى تواجه نظام حكم السادات؟ ماذا كانت طبيعة علاقاتها بالإسلاميين فى مصر؟
الحقيقة الواصخة التى تكشف عنها الوثائق البريطانية هى أن البريطانيين تنبأوا باغتيال السادات، وإن لم تكن لديهم فكرة عن القتلة المحتملين، الذين تبين لاحقا أنهم إسلاميون متطرفون، برغم أن ظاهرة نمو الفكر المتطرف لم تفلت من قرون الاستشعار الاستخباراتية والدبلوماسية والسياسية الإنجليزية. هذا ما تقوله الوثائق التى تعرضها “الأهرام العربي”، للمرة الأولى.
المتاح من الوثائق، حتى الآن، يكشف أن بريطانيا لم تفاجأ باغتيال السادات قبل 36 عاما، وإن لم تكن تتوقع أن يكون بالشكل الدرامى الذى نُفذ به، أو ينفذه مجموعة من الشبان الإسلاميين المتطرفين، بعضهم من الجيش. فالوثائق البريطانية تكشف أن أجهزة الرصد البريطانية تنبأت بالاغتيال قبل أكثر من عامين ونصف العام على حادث المنصة.
وجاء التنبؤ بعد تقدير موقف بشأن احتمال أن يُطاح بالسادات فى ثورة مماثلة لثورة الخومينى التى أسقطت شاه إيران محمد رضا بهلوى فى يناير عام 1979. واغتيل السادات فى يوم 6 أكتوبر 1981، أى بعد عامين وثمانية أشهر من الثورة الإيرانية.
المرشح الأرجح
جاء التنبؤ البريطانى فى تقرير ملخص أعده دبليو أر تومكيس، رئيس إدارة الشرق الأدنى وشمال إفريقيا بناء على سلسلة تقارير وبرقيات من السفارة البريطانية فى مصر، وآخرها هو تقرير مفصل بعث به ديفيد بلاثرويك أحد كبار مساعدى سير ويلى موريس، سفير بريطانيا فى القاهرة.
وجاء الملخص فى وثيقة، مصنفة سرية، وزعت فى 16 فبراير عام 1979 على الإدارات المختصة ضمن ملف وثائق بعنوان “الوضع السياسى الداخلى فى مصر”. وتغطى وثائق هذا الملف الفترة بين الأول من يناير حتى الحادى والثلاثين من ديسمبر عام 1979.
وتوقعت الوثيقة أن يكون الاغتيال هو أهم ما يهدد السادات شخصيا ونظامه.
وحسب ترتيب الأخطار التى تهدد السادات، قال أر تومكيس: ” لأنه (السادات) يهيمن على المشهد المصري، فإن السادات شخصية عرضة للخطر، غير أن الاغتيال أو الأسباب الطبيعية أو الاستقالة هى (الوسائل) الأكثر احتمالا لإزاحته من المشهد وليس الثورة”.
وأشار إلى أنه ” لو حدث أى من هذا، يمكن أن تكون الخلافة (انتقال السلطة) سلسة: يجب النظر إلى (محمد حسني) مبارك المرشح الأرجح، وهناك شك قليل فى أن السادات يعده (لتولى السلطة)”. ولم يشرح تومكيس المقصود بالتحديد بقوله إن السادات كان يعد مبارك، وهل كان هدف السادات هو أن يحل مبارك محله بعد أن يتنحى أو يموت.
غير أن الدبلوماسى البريطانى قال “ليس هناك شخص آخر لديه نفس قدرة السادات الكبيرة على أن يطفو، بسبب خفة حركته على ما يبدو، فوق مشكلات مصر”، فى إشارة إلى مهارات الرئيس الراحل السياسية وقدرته على المناورة فى مواجهة التحديات التى يواجهها. لذلك فإن تومكيس، تابع يقول “أى نظام تال قد يجد احتواء السخط أمرا أكثر صعوبة بكثير”. ونبه أيضا إلى أن “حتى سياسات السادات لن تستمر بعده بالضرورة” .
ففى 12 فبراير 1979 بعث بلاثرويك بتقرير سري، من أربع صفحات، استجابة لطلب إدارة الشرق الأدنى وشمال إفريقيا موضوعه “مصر وإيران: هل يمكن أن يحدث هنا؟”. وكانت الإدارة قد بعثت إلى السفارة ببرقية تطلب إجابة عن السؤال، بهدف البحث فى احتمال الإطاحة بالسادات فى ثورة شعبية كتلك التى أسقطت نظام حكم شاه إيران.
واستهل بلاثرويك التقرير بالقول إن عددا من المصريين يسألون أنفسهم بقلق عما إذا كان يمكن تصور أن ما حدث فى إيران سيحدث فى مصر أيضا”. ويشير التقرير، الذى تضمن 12 نقطة، إلى أن “منتقدى نظام حكم السادات، ومحمد (حسنين) هيكل ناشط بينهم، يحذرون الدبلوماسيين الغربيين من النموذج المشئوم”. (تكرار ثورة إيران فى مصر). غير أن بلاثرويك يقول “استنتاجنا، مثل معظم المصريين، هو أنه بينما قد يتسم النظام بالاضطراب، فإن الطريقة التى يسير بها تجعل من غير المحتمل أن يمضى بشكل يماثل إلى حد كبير ضعف وانهيار الشاه المفاجئين، لأن الظروف مختلفة جدا”.
رغبات الرئيس
واستعرضت الوثيقة أوجه الشبه بين البلدين، ما قد يوحى بأن سيناريو ثورة الخومينى قد لا يستبعد حدوثه فى مصر.
يقول بلاثرويك “كل من مصر وإيران دولة الرجل الواحد. ومثل الشاه، يقرر السادات ثم تسجل العمليات الدستورية ( تصدق على) قراره. وليس لديه قاعدة قوة عريضة مثل الهيكل الحزبى الذى تتسم به السياسات الغربية”. ويضيف “مثل الشاه، حاول الرئيس السادات، لكنه أخفق حتى الآن، فى تشجيع نمو نظام برلمانى حقيقى مع معارضة موالية. وهو محاط بأصدقاء ومستشارين هدفهم الرئيسى هو إرضاؤه، يتنبأون برغباته وينفذون أوامره. وقليل منهم لديه الشجاعة لانتقاده أكثر، وهو (الانتقاد) أمر نادر للغاية”.
على الصعيد الاقتصادى ساق بلاثرويك أوجه الشبه بين البلدين وأهمها:
“لدى مصر، كإيران، معدل تضخم مرتفع، يمكن إرجاعه جزئيا إلى وصول الأجانب والثروة الأجنبية”.
وبالنسبة للدين، الذى كان السمة الرئيسية الغالبة على الثورة الإيرانية، فإن تأثيره كان واضحا فى مصر فى عهد السادات.
ونبه السفير واضعى السياسات البريطانية تجاه مصر إلى أن ” التطرف الدينى ذا المظاهر السياسية العنيفة هو أحد النزعات فى تاريخ مصر الحديث”. وقال “فى البلدين، هناك صحوة دينية تستند فى جزء منها على رد الفعل العدائى لما يُنظر إليه على أنه انتشار لأشكال النفوذ الأجنبى الفاسد الغربي”.
وتطرقت الوثيقة إلى موقف الجيشين – الإيرانى والمصرى – من نظام الحكم فى البلدين. وقالت “كما هى الحال مع الشاه، يعتمد نظامه (السادات) بقدر كبير على رغبة القوات المسلحة فى أن تراه يواصل البقاء فى السلطة”. غير أن بلاثرويك يصارح حكومته بأنه لا يعلم يقينا ما يدور فى ذهن القوات المسلحة. ولذا يقول بوضوح ” نحن دائما فى منطقة عدم يقين فى تقدير مشاعر الجيش. نعتقد أنه من غير المحتمل عموما أن يعارضوا بشكل جوهرى نوع السياسات التى يتبعها الرئيس السادات”.
ومع ذلك، لا يرى التقرير أن مساندة الجيش للسادات تماثل دعم الجيش الإيرانى للشاه. فيقول فى البند الرابع من المقارنة ” غير أننا نشك فى أن لديهم (القوات المسلحة المصرية) الولاء الشخصى القوى للرئيس الذى أبداه الجيش الإيراني، وفق كل الحسابات، للشاه وسلالة حكم آل بهلوي”.
ويعود التقرير، فى موضع عرض ما وصفها بالاختلافات المهمة الحاسمة بين الحالتين المصرية والإيرانية، إلى الدين. فقد اعتبر أن الصحوة الإسلامية فى مصر، التى قال إن السفارة بعثت بتقارير مفصلة عنها فى شهر أكتوبر 1978، مختلفة لأسباب مردها الأساسي، كما رآها، هو الاختلاف بين الإسلام الشيعى (الإيراني) والآخر السنى (المصري). فعلى عكس الأول، يطرح الثانى نفسه بديلا لحكومة علمانية.
وأوضح تقرير السفارة تصوره على النحو التالي:
هناك بلا شك بعض التعصب الدينى (فى مصر). مثل الإخوان المسلمون تهديدا للدولة فى 1948 و1954/1955، وخرجت جماعة التكفير والهجرة عن السيطرة فى عام 1977، غير أنه فى كل حالة لم تجد الحكومة المصرية فى هذا الوقت صعوبة فى السيطرة عليهم (الإخوان والتكفير والهجرة)”.
ويضيف “الرئيس السادات نفسه كانت له علاقات مع الإخوان المسلمين فى الأربعينيات، وبدون أن يسمح لهم بتشكيل حزب سياسى قانونى تعامل معهم منذ جاء إلى السلطة بحذر، مبقيا بخطوط الاتصالات مفتوحة معهم”.
خمينى مصر
وفى تقييمه لموقف الجماعة فى هذا الوقت، قال السفير:
لم يُعد الإخوان بعد تنظيم أنفسهم بشكل ملائم بعد الضربات التى تلقوها فى الخمسينيات والستينيات، غير أنه لو وصل الأمر إلى مواجهة مرة أخرى، سوف تفوز الدولة على الأرجح”.
والاختلاف الدينى الآخر هو، كما عرضت السفارة، هو طبيعة تركيبة المؤسسات الدينية فى البلدين. فقال ” فى مصر لا توجد طبقة ملالي. والعلاقات القوية بين البازار (التجار الإيرانيين) ورجال الدين، وهى العلاقات التى قيل إنها لعبت دورا رئيسيا فى الثورة فى إيران، ليست موجودة هنا (فى مصر)”.
وفصل بلاثرويك فى شرح طبيعة المؤسسات الدينية فى مصر، التى قال إن الحكومة هى التى تعين رؤساءها، كشيخ الأزهر والمفتى ووزير الأوقاف وتحتويهم.
على الصعيد الاجتماعى والسياسى أيضا، نبه الدبلوماسى البريطانى وزارته إلى أن الفجوة بين الزمرة الحاكمة والمحكومين فى مصر، ليست بالوسع الذى ميز الهوة فى إيران. وقال “لم تعد هناك أى فجوة اجتماعية أو ثقافية هائلة بين الطبقات. وهناك منذ فترة طبقة متوسطة كبيرة متطورة فى مصر توفر جسرا (بين الطبقات). والحراك الاجتماعى سهل وشائع”.
ضعف المعارضة فى مصر كان من أسباب استبعاد التقرير احتمال قيام ثورة على حكم السادات. وأشار إلى أن “خومينى مصريا ليس له وجود”، فى ظل “عدم وجود مركز واضح للمعارضة”.
وقال أرتومكيس إنه “من الواضح أنه يجب أن تحتفظ السفارة (البريطانية فى القاهرة) بالاتصال بالمصادر المحتملة للمعارضة “.
ووزع المسئول الدبلوماسى البريطانى ملخصه على عدة جهات منها إدارة التخطيط فى وزارة الخارجية. كما أرسلت نسخة إلى بعثات بريطانيا فى أمريكا وإسرائيل وإيران وسوريا والأردن وليبيا والسعودية والسودان والكويت.
وبرغم استبعاد السفارة سيناريو الثورة، فإنها خلصت فى نهاية تقريرها إلى القول “نحن بطبيعة الحال لا نستخلص من كل هذا أن مركز الرئيس السادات آمن”. وأضاف “لقد كتبنا تقارير فى الماضى عن آرائنا بشأن التهديدات التى يواجهها نظامه”.
فى هذه التقارير وغيرها من وثائق الخارجية البريطانية، بدا واضحا أنه، بالإضافة إلى المشكلات الاقتصادية والاجتماعية وقضايا السياسة الخارجية خصوصاً مباحثات السلام المصرية ـ الإسرائيلية، كان هناك رصد دقيق لصعود ما سمى حينها “اليمين الديني” و”الصحوة الإسلامية” و”الأصوليون الإسلاميون” و” المتطرفون الإسلاميون”.
السادات وناصر والإخوان
وفى التاسع من مارس 1979، نبهت المفوضية السامية الكندية البريطانيين عن تأثير “اليمين الديني” على الوضع الداخلى فى مصر.
وفى برقية من 3 صفحات عن تقييم الأوضاع فى مصر، بعث بها، إلى إدارة الشرق الأدنى وشمال إفريقيا فى الخارجية البريطانية، قال كريس أو. سبنسر المفوض السامى الكندى فى لندن:
” الوضع المحلي: شهد الضغط من جانب اليمين الدينى الأسبوع الماضى ( أوائل مارس 1979) ظهور الإخوان المسلمين فى المجال السياسى كمنظمة يجب على الحكومة المصرية الآن أن تتعامل معها بشكل علني”.
وأشارت البرقية إلى دعوة إحدى مطبوعات الإخوان المسلمين (مجلة الدعوة) للمصريين بأن يتحركوا فى نفس الاتجاه الذى سلكه الإيرانيون. كما سجلت أيضا أن صحيفة الأخبار واسعة الانتشار حينها شككت فى حكمة دعوة السادات الشاه إلى مصر. وقالت البرقية إن السادات رد على ذلك بـ “إعادة التأكيد، لأول مرة فى رئاسته، على سياسة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، بأنه لا يمكن أن يكون هناك مكان لهذه المنظمة الدينية (الإخوان المسلمين) فى الحياة السياسية للأمة”.
وبرغم هذا التأكيد، فإن برقية المفوض السامى الكندى بدت كأنها تطرح علامات استفهام بشأن طريقة تعامل السادات مع الإخوان المسلمين. وقالت: “الافتتاحية اللافتة للنظر فى العدد الصادر يوم 25 فبراير (1979) من مجلة الدعوة الأسبوعية الصادرة عن الإخوان المسلمين، التى فسرها البعض على أنها نداء حقيقى “للجهاد” أو الحرب المقدسة، دعت بعبارات لا لبس فيها المصريين لاتباع نهج الشركاء الدينيين الإيرانيين”.
ثم أشارت البرقية إلى طبع ونشر المجلة دون أى اعتراض من جانب السلطة، قائلة “توزع المطبوعة بحرية بينما تبدو الحكومة غير قادرة سياسيا على منعها من ذلك”.
ثم تطرقت إلى رد فعل السادات. وقالت:
“رد السادات فى خطاب أول مارس (1979) أمام نقابات عمال الإسكندرية استعرض تاريخ الإخوان فى مصر منذ الثلاثينيات، غير أنه لم يطرح أى نقاط واضحة ضد التنظيم”.
ما تفسير هذا الموقف؟
يجيب الدبلوماسى الكندي، الذى وزعت الخارجية البريطانية برقيته إلى بعثاتها فى عدة دول منها إسرائيل والعراق والسعودية وألمانيا وإيطاليا ولبنان والمغرب والجزائر وتونس وإيران، بالتالي:
“نظرا لأن شعبية السادات تستند إلى حد كبير إلى تسامحه الذى يروج له بشكل جيد مع التعدد الواسع للآراء داخل البلاد، فقد يسيطر عليه شعور بأنه يمر بفترة تتسم فيها سياسته الخارجية بالانحسار، وبأن مصداقية سياساته الاقتصادية محل شك على نطاق واسع. لذا، فإنه لا يستطيع تحمل تبعات شن حملة على الإخوان شبيهة بالقمع الدموى للمنظمات الدينية الذى قاده ناصر منذ 20عاما”.
وفيما يشبه التحذير من إخفاق مساعى السادات فى التسوية مع إسرائيل، نبهت البرقية الكندية إلى خطورة التوابع. وقالت:
“لو تداعت عملية السلام، فإن السادات سوف يرغب فى التعامل بحذر مع منتقديه من اليمينيين (الإسلاميين) الذين يتمتعون بقاعدة شعبية حقيقية بخلاف نظرائهم من اليسار. غير أنه لا يمكن استبعاد احتمال أن يتحدى الإخوان المسلمون بشكل واضح حملة ضدهم بأمر السلطة الرئاسية”.
وفى هذا السياق، يبدو واضحا أن الرؤية الكندية تكشف عن اطمئنان السادات المُتوهَم المخدوع، الذى نقله إلى الإنجليز، بشأن طبيعة أفكار التطرف الإسلامى فى مصر مقارنة بأفكار الثورة الإسلامية الإيرانية.
فقد جاءت البرقية الكندية بعد 19 يوما من تطمينات من نظام حكم السادات للبريطانيين بقدرته على استيعاب الإسلاميين سياسيا، وبأن إسلاميى مصر مختلفون عن نظرائهم الإيرانيين، نظرا لأن مصر لا تعاني، كما حال إيران، من أزمة هوية.
وتلقت بريطانيا التطمينات خلال مباحثات شاملة جرت فى مقر الحكومة البريطانية فى 10 دواننج ستريت فى 19 فبراير 1979 بين جيمس كالاهان رئيس وزراء بريطانيا ونظيره المصرى الدكتور مصطفى خليل.
حلفاء وليسوا خصوما
وفى برقية مرسلة من مكتب رئيس الوزراء إلى وزارة الخارجية البريطانية بشأن خلاصة المباحثات، نقل السكرتير الخاص لكالاهان رؤية خليل لمسألة الإسلاميين فى مصر.
وتقول البرقية فى الجزء الخاص بمصر من المباحثات: إن خليل قال إنه بداية من عام 1980، فإن “أى حزب سيكون مؤهلا للاعتراف به لو كان له عضو واحد بالبرلمان”. وأضاف ” تأثير هذا سيكون تشظى المعارضة غير أنه من غير المرجح أن يكون لهذا تأثير مزعزع للاستقرار” فى مصر.
ماذا سيكون وضع الإسلاميين؟
تقول الوثيقة: “قبل الدكتور خليل فكرة أنه يمكن أن ينمو حزب نشط للمسلمين (الإسلاميين) فى مصر لكنه عبر عن اعتقاده بأن النظام (السياسي) يمكن أن يستوعبه (الحزب)”.
وتضيف “لن تعانى مصر أزمة الهوية التى نتجت، كما قال سير أيه. بارسون، عن جهود الشاه لتحويل الشعب الإيرانى إلى أوروبيين: مصر تعتبر نفسها جزءا من العالم الغربى منذ زمن الفراعنة”.
وتنقل الوثيقة عن خليل تأكيده أن: “الحكومة المصرية سوف تواصل أيضا الحذر بألا تسيء إلى حساسيات المسلمين، كما أخذت عددا من الخطوات لجعل الدين الإسلامى (الإسلاميين) حليفا للنظام وليس خصما له”.
وفى 31 يناير عام 1979، عقد السفير البريطانى فى القاهرة اجتماعا للعاملين بالسفارة لبحث “تغطية السفارة للمعارضة وجماعات المعارضة المحتملة فى مصر، وكيفية التحسينات التى يمكن إدخالها” على علاقات السفارة بهذه الجماعات والفئات.
وتلاحظ “الأهرام العربي” أن وزارة الخارجية لا تزال تحتفظ بأصل الوثيقة المؤلفة من 5 صفحات لأسباب تتعلق، فيما يبدو بالأمن القومي. وفى صورة الوثيقة المتاحة، ظللت جملة واحدة باللون الأسود.
الطريق إلى شيخ الأزهر
وفى تقرير أعدته السفارة بشأن نتائج النقاش وأرسل إلى الخارجية فى لندن فى الثانى من فبراير، أشار بلاثرويك إلى “اليمين المسلم (الإسلامي)”، باعتبار شخصياته مهمة، ويجب أن تسعى السفارة لأن تكون لها علاقات معها. وتشمل الجهات الأخرى التى نوقش مستوى الاتصالات معها: الحزب الوطنى الديمقراطي، المعارضة البرلمانية (بكل أحزابها وأفرادها)، الناصريين، حزب الوفد، اليساريين الآخرين، نقابات العمال، الطلبة، القوات المسلحة.
تقول الوثيقة:
“المتطرفون المسلمون يشكلون بشكل دورى تحديا جديا للحكومات المصرية، برغم أنهم يسعون دائما لممارسة النفوذ كلاعبين ثانويين (عن طريق آخرين) وليس عن طريق تصدرهم الواجهة بأنفسهم. من المقبول القول بأن نفوذ المسلمين (الإسلاميين)، وليس بالضرورة نفوذ الإخوان، يتنامى. السيد برينتون (أحد الدبلوماسيين فى السفارة) اتصل برئيس تحرير (مجلة) الدعوة، المرشد الحالى الدكتور(عمر) التلمساني: وسوف يتابع هذا الاتصال، ويقيم مع نائب رئيس التحرير، صالح عشماوي، الذى يقال أيضا إنه شخصية نافذة. وآمل أن يوافق السفير المقبل على الاتصال بشيخ الأزهر الجديد (محمد عبد الرحمن بيصار)، كما يجب أن نقيم اتصالا بالمفتى (الشيخ جاد الحق على جاد الحق). يساورنى شك بشأن ما إذا كانت السفارة سوف تنجح على الإطلاق فى إقامة علاقات مع رجال الدين، غير أنه ربما نكون قادرين على إقامة بعض الاتصالات”.
وفى الاستنتاج النهائى قال بلاثرويك:
“أعتقد أنه لدينا بالفعل قاعدة جيدة نبنى عليها تغطية معقولة للمشهد السياسى هنا، وأكبر فرصة ضائعة بالنسبة لنا هى فى المجلس (مجلس الشعب)، وآمل أن نتمكن من إحراز بعض التقدم فى ملء الفجوة”.
إزعاج لا تهديد
وأحدث الوثائق السابقة على الاغتيال تحمل تاريخ 9 يناير 1981، أى قبل حادث المنصة بـ 9 أشهر. وتتناول “المراجعة السنوية لعام 1980 بشأن مصر”.
ووُجهت المراجعة، الموقعة باسم سير مايكل واير السفير البريطانى فى القاهرة، مباشرة إلى مكتب لورد كارينجتون وزير الخارجية. وقد أعد أر أو مايلز، مدير إدارة الشرق الأدنى وشمال إفريقيا، فى هذا الوقت تقريرا يوجز لرؤساء الإدارات المختصة، خلاصة مراجعة السفير. وقال الإيجاز، المؤلف من 6 بنود، فى بنده الرابع:
“على الصعيد الداخلي، يظل السادات مسيطرا بصرامة فيما يتعلق بالأصوليين المسلمين (الإسلاميين) الذين هم ليسوا سوى إزعاج أكثر من كونهم تهديدا سياسيا مباشرا للنظام. غير أن نفوذهم يستمر فى النمو وسوف نحتاج إلى متابعة أنشطتهم عن قرب”.
المراجعة نفسها جاءت فى 5 صفحات. وأفردت قسما للشأن الداخلى ووضع نظام السادات.
وبرغم أن الانطباع العام الذى أعطاه السفير للخارجية كان إيجابيا فيما يتعلق بقدرة السادات على كسب تعاطف وتأييد الشعب بإجراءات شملت إقالة الحكومة وكل فريقه الاقتصادى، وزيادة الأجور ودعم السلع والخدمات، فإنه عرض لمشكلة تنامى التيار الإسلامي.
فأشار إلى “هجومه ( السادات)، الذى أرضى الجماهير، على الأقباط التعساء بسبب المبالغة فى ردود أفعالهم على الاستفزاز من جانب المتطرفين المسلمين، الذين كانوا حينئذ عرضة هم الآخرون للرقابة. والأخيرون (المتطرفون) نموا من حيث القوة ويتمتعون تقريبا بهيمنة على الجامعات”.
ومع هذه السيطرة قالت المراجعة:
“حتى الآن هم ( الإسلاميون) إزعاج أكثر من كونهم تحديا سياسيا مباشرا للنظام. ومع ذلك، فإن الحكومة وجدت أنه من الملائم أن تسترضى الحركة الأصولية بشأن مختلف القضايا، على سبيل المثال بأن تعدل الدستور ليكون قائما على القانون الإسلامى (لتكون الشريعة الإسلامية مصدر التشريع)، برغم مقولة السادات القاطعة المفضلة « لا سياسة فى الدين ولا دين فى السياسة».
ويعلق السفير قائلا :”ربما يكون من غير الملائم ولكنه حقيقى أن أضيف أنه فى مصر الآن لا سياسة فى السياسة أيضا”.
مجلة الأهرام العربي المصرية