بعد استبعادها من خطّة إنشاء «الممرّ الهندي – الأوروبي»، تلقّت تركيا صدمة جديدة بصدور تقرير البرلمان الأوروبي (13 أيلول) حول تركيا عن عام 2022، والذي اعتبر أن «الشروط التي تقع في دائرتها تركيا حالياً لا تسمح باستئناف عملية المفاوضات للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي»، موصياً ببدء عملية تهدف إلى إيجاد إطار يلحظ المصالح المشتركة المتبادلة. وعلى رغم أن التقرير، الذي أعدّه ناشو سانشيز أمور وحظي بتأييد 434 صوتاً مقابل معارضة 18 وامتناع 152 عن التصويت، أثنى على الموقف التركي الذي دان الحرب الروسية على أوكرانيا، ودعَم وحدة الأراضي الأوكرانية وسيادة كييف على أراضيها، وثمّن جهود أنقرة في التوسّط لإنهاء هذه الحرب والتوصّل إلى صيغة لإحياء اتفاقية الحبوب، إلّا أنه أعاد تذكير تركيا بضرورة أن تقرّ في أقصر وقت انضمام السويد إلى «حلف شمال الأطلسي». كما حفل بانتقادات لاذعة لها في مجال «الحقوق الأساسية والقانون»؛ إذ دعاها إلى «التماهي مع قرارات المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان حول الديموقراطية واستقلالية القضاء والإعلام وحقوق الأقليات الإثنية والدينية المختلفة والمرأة والمثليين»، حاضّاً إيّاها على «تحقيق المزيد من التقدّم في مجال القوانين المتعلّقة بالبيئة والمناخ بما ينسجم مع حوافز الاتحاد الأوروبي».
وفي مجال علاقاتها الخارجية، أثنى التقرير الأوروبي على الخطوات التي اتّخذتها تركيا، أخيراً، في اتّجاه تطبيع العلاقات مع العديد من الدول والكيانات من مثل أرمينيا ومصر و«إسرائيل» ودول الخليج. كما قابل بسرور مشاركات أنقرة في قِمم «الجماعة السياسية الأوروبية»، وإنْ سجّل وجود تباينات معها في سوريا والعراق وليبيا. وأشار إلى الروابط الخاصة التي تجمع تركيا بدول البلقان، مشيداً بجهود تركيا لتخفيف التوتّر في شرق المتوسط، مشدّداً في الوقت عينه على أن «الحلّ الوحيد الممكن في قبرص هو في إقامة فدرالية من مجتمعَين ومنطقتَين (بينما تدعو تركيا إلى حلّ على أساس دولتَين مستقلّتَين بالكامل)». كذلك، امتدح التقرير استقبال تركيا أعداداً كبيرة من اللاجئين، ودعاها إلى الاستمرار في ذلك، معتبراً إيّاها بلداً مفتاحاً، له أهمية استراتيجية على مستويات السياسة الخارجية والطاقة والاقتصاد، وداعياً إلى إنشاء تعاون مشترك يرتكز على رؤية بعيدة المدى للعلاقات التركية – الأوروبية.
إزاء ما تَقدّم، وكما كان الحال لدى صدور كلّ تقارير البرلمان الأوروبي غير الملزمة للمفوضية الأوروبية، رفضت وزارة الخارجية التركية، في بيان، التقرير الأخير، ووصفته بأنه «يفتقد إلى العقلانية»، و«مليء بالأحكام المسبقة التي تفتقر إلى المعلومات وإلى الرؤية لمستقبل العلاقة بين تركيا والاتحاد الأوروبي». واعتبرت الوزارة التقرير «أسير السياسة الشعبوية لأعضاء البرلمان»، مضيفةً أنه «يعكس كمْ هم بعيدون عن تطوير مقاربة استراتيجية صحيحة تجاه المنطقة وكذلك تجاه الاتحاد الأوروبي، في مرحلة حسّاسة للاستقرار والأمن يمكن أن تُفتح فيها نوافذ لإحياء العلاقات التركية – الأوروبية»، متابعةً أنه «بدلاً من الشروع في مفاوضات الانضمام التي هي العمود الفقري لعلاقاتنا، يأتي البرلمان الأوروبي لطرح رؤى أقلّ ما يقال فيها إنها خارج العقلانية». وعدّت الخارجية الطروحات التي تضمّنها التقرير حول إيجه وشرق المتوسط وقبرص «أحادية الجانب ومشتملةً مزاعم منقطعة عن الواقع التاريخي والقانوني». وأشارت إلى أن «هدف تركيا المشترك مع الاتحاد الأوروبي هو تحديث الوحدة الجمركية واستكمال الحوار حول حرية المرور، وهذا يحمل أهمية لعملية الانضمام إلى الاتحاد»، لافتةً أيضاً إلى أن «تركيا تحمل من الطاقات والإمكانات في مجالات الأمن والطاقة وتغيّر المناخ والهجرة والتجارة والاقتصاد، ما يمنح الاتحاد الأوروبي قوة عالمية». وختم البيان بالأمل في أن «تسفر انتخابات البرلمان الأوروبي المقبلة عن بنية غير منحازة وعقلانية ورؤية بنّاءة». ورأى وزير العدل التركي، يلماز تونتش، بدوره، أن «التقرير يعكس طروحات مجموعات هامشية في تركيا»، مدافعاً بأن بلاده «قطعت شوطاً كبيراً في الإصلاحات المختلفة، وهو ما لم يُشِر إليه التقرير»، خالصاً إلى أن الأخير يعدّ بالنسبة إلى أنقرة «بحكم غير الموجود ولا قيمة له».
من جهته، يرى الكاتب مراد يتكين أن أهمّ ما تضمّنه التقرير الأوروبي هو نفي أيّ ارتباط بين عضوية السويد في «حلف شمال الأطلسي»، وبين إحياء محادثات انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، علماً أن الرئيس رجب طيب إردوغان كان ألمح إلى أن قبول عضوية استوكهولم يأتي مقابل تيسير تلك المحادثات. ويشير يتكين إلى أن «العلاقات التركية – الأوروبية تتراجع، وتركيا لا يمكن لها أن تنتظر حزيران المقبل، موعد إجراء انتخابات البرلمان الأوروبي، لولادة برلمان جديد “محايد وعقلاني وبنّاء”». ويرى أن رفض بلاده الروتيني لقرارات البرلمان الأوروبي، يعكس رؤية مفادها أن أعضاء هذا البرلمان «غير مؤثّرين في القرار الأوروبي، وأن الكلمة الأخيرة تعود إلى زعماء بلادهم، وأن هؤلاء الأعضاء ليسوا سوى أولئك الذين لا فرصة لهم للفوز في بلادهم»، مضيفاً أن «وجهة نظر أنقرة هي أن أوروبا لا تريد حريات ولا ديموقراطية في تركيا بل تجارة واستثمارات»، وأن «الأهمّ بالنسبة إلى تركيا في هذه المرحلة، هو تسهيل الأوروبيين منح تأشيرات الدخول وخصوصاً لأعضاء الشركات التجارية التركية».
ويذكّر الكاتب المعروف، فهمي قورو، بأنه «قبل 19 عاماً، في 15 كانون الأول 2004، كان البرلمان الأوروبي نفسه يوافق بغالبية 407 مقابل 262 نائباً على بدء محادثات العضوية مع تركيا، واعتبار الأخيرة أوروبية، بل إن الكثير من النواب رفعوا كلمة “نعم” باللغة التركية (evet)»، مستدركاً بالقول: «ما الذي جرى اليوم لكي تصبح تركيا على النقيض، ويقال لها أنت لا يمكن أن تكوني عضواً في الاتحاد الأوروبي؟». ويتطرّق قورو إلى قضية أخرى تزعج تركيا، وهي قرار الرئيس الأميركي، جو بايدن، وضع عقوبات على خمس شركات تركية ومواطن تركي لانتهاكهم العقوبات المفروضة على روسيا، متسائلاً: «ما الذي تَغيّر بين قمة فيلنيوس في تموز الماضي والغزل التركي – الأميركي الواضح آنذاك، وبين شهر أيلول حتى تُغيّر واشنطن المناخ الإيجابي مع أنقرة؟ وهل من جامع بين الإجراء الأميركي والقرار الأوروبي الذي يفصل بينهما يوم واحد؟». ويستنتج قورو أن هذين الحدثَين يكذّبان الأجواء الإيجابية التي أشيعت سابقاً، معتبراً أنه بدلاً من ردود الفعل والبيانات المعروفة، «على أحد في تركيا أن يوضح لنا ما الذي يجري».
صحيفة الأخبار اللبنانية