الاستخدام السلبي لوسائل التواصل الاجتماعي
إن الادوار الدقيقة التي يجب أن تؤديها الصحافة بشكل عام في الدول التي اصطرع أهلها و ثار بعضهم على بعض ، و انقسموا لمذاهب و تيارات متعددة و اختلفوا بين مؤيد و معارض ، الوقوف على نقل الخبر بصورة دقيقة و حيادية. و حسبي من ذلك إدراك التجارب التي مرت بها بعض الدول الأسيوية و الأوربية و الأميريكية و التي تناولتها الصحافة باهتمام شديد وواكبت أخبارها ، و عملت على معالجتها بطرائق شتى .
فالمشكلة التي تعاني منها بلادنا ليست فريدة من نوعها في العالم و إن كانت ذات خصوصية معينة و حلها لا يتوقف فقط على السياسين و المحللين بل إن جانبا أساسيا من الحل منوط بالصحافة بشتى اشكالها ( المقروءة – المرئية – المسموعة – و حتى الالكترونية ) باعتبارها قوة فاعلة في عرض الوقائع و الاحداث و تحليلها بعيدا عن الانفعال والتهويل فهي صوت الناس التي تنقل اراءهم و أفكارهم.
و أصبحت المواقع الالكترونية و الشبكات الاجتماعية أكثر وسيلة إعلامية انتشارا في العالم، و بات من لا يمتلك صفحة خاصة، او يقوم بالتصفح الكترونيا بشكل يومي أخر المستجدات و الاحداث كأنه منعزل عن العالم. بل و أصبح كل فرد فينا صحفي بحد ذاته قادر على نقل الحدث فور وقوعه مرفقا بالصور و التحليل . و هذا واحد من ميزات وسائل التواصل الاجتماعي كونها تنقل الخبر بسرعة كبيرة فور حدوثه فأي واقعة لا تحتاج إلا لبضع دقائق لتنشر و تصبح محورا للنقاش، كون هذه الوسائل الغت الحواجز الجغرافية و جعلت الفضاء الالكتروني فضاء مشتركا للحوار على الرغم من اختلاف الامكنة و الازمنة .
لكن من مساوئها و خطورتها بمكان ما شهدناه في السنوات الاخيرة، فقد أصبحت هذه الوسائل أداة للتعبئة تخدم عدداً من المجموعات الذين إستغلوها أبشع إستغلال، ورفعت شعارات تحرك مشاعر الشباب و تشعل حماسهم و قدمت الوعود و الإغراءات من أجل تجنيدهم لديها لتحقيق أهدافهم.
وحديث العصر كيف ان هذه التنظيمات و الجماعات على اختلاف مشاربها و خاصة الارهابي منها يستخدم وسائل التواصل الاجتماعي لبث الدعايات عنهم و جذب الانتباه اليهم ، و لا أدل على ذلك الافلام التحريضية التي تبثها هذه الجماعات على مختلف وسائل التواصل الاجتماعي 🙁 يوتيوب، فيسبوك، تويتر..) كمنصات لبث أفكارهم وأخبارهم وتنفيذ أجندتهم، و قد استطاعوا الوصول إلى شريحة واسعة من الشباب في مختلف المناطق و البلاد و تمكنت من جذب اعداد هائلة من المتصفحين في مدة زمنية بسيط متجاوزة بذلك قدرات اجهزة الاعلام التقليدية الأخرى بفارق كبير، و السبب في ذلك يعود للانتشار الواسع لمواقع التواصل وسهولة استخدامها، و عملية الاتصال المجاني الفوري بين أعضاء التنظيمات والتنسيق فيما بينهم دون رقابة ، والكم الهائل من المعلومات التي يمكن تبادلها فيما بينهم.
و ما الافلام التي تبثها التنظيمات الارهابية على هذه المواقع إلا واحدة من استخداماتهم لهذه الوسائل، فنجد هذه المشاهد من الناحية الفنية ذات تقنيات عالية تصويراً و إخراجاً, و هذا لجذب أكبر عدد ممكن من المشاهدين و المتابعين من فئة الشباب من جهة، و تعميم نظرية التوحش و بث الذعر و الخوف في نفوس من يقف ضدهم من جهة أخرى.
إن مواقع التواصل الاجتماعي و إستخداماتها السيئة تؤثر بلا شك على الأمن القومي للدول و على إستقرارها، وهذا ما دعا العديد من المؤسسات القومية المهتمة بالأمن الى دراستها ووضع الخطط الاستراتيجية للتعامل معها ، ذلك لان ما يتم نشره عبر تلك المواقع من اخبار ومعلومات في الغالب ما تكون مفتقدة للصدق والدقة والمهنية وغالبا ما تكون موجهه لتحقيق غايات خاصة ، و دائما نجد ان المحتوى المعلوماتي للمواقع التي تديرها هذه الجماعات هو من أكثر المعلومات تداولا بين الجمهور وبخاصة الشباب وهو ما منحها قدرة كبيرة على التأثير في الساحة السياسية وإتجاهات الرأي العام و بث الأفكار والإعتقادات المتطرفة وهو ما أدى لتغيير سياسي وأمني كبير لتصبح هذه المواقع تستخدم لتهديد أمن الدول وزعزعة إستقرارها، لكل ذلك على جميع الجهات الرسمية و الخاصة و الأهلية و مؤسسات الفكر و رجالات الدين و الأدب التي تعنى بالشأن العام أن تسارع لوقف هذا التغول الإعلامي الخطير.