«الانفتاح» على دمشق يستفزّ واشنطن: تلويح أوّلي بالعقوبات
«الانفتاح» على دمشق يستفزّ واشنطن: تلويح أوّلي بالعقوبات…لم تَحُل الكارثة الإنسانية التي حلّت بالسوريين من جرّاء الزلزال، دون استمرار الولايات المتحدة في التلويح بعقوباتها الأحادية المفروضة على سوريا، لتسييس المساعدات، ولعرقلة الجهود العربية المكثّفة للانفتاح على دمشق. وإذا كانت الزيارات العربية «المفاجئة» للقيادة السورية لا تفتأ تتزايد، فإن الدوحة تصرّ من جهتها على مراوحة مربّع الأزمة الأوّل، رافضةً أيّ تغيير في موقفها، فيما يستمرّ مجلس الأمن في التلكّؤ عن اتّخاذ خطوات تخفّف من معاناة السوريين، مؤمّناً في المقابل مساحةً واسعة للسجال السياسي الأميركي – الروسي تحت قبّته
لم يخرج ردّ فعل الولايات المتحدة على محاولات انفتاح بعض الدول العربية على دمشق، عن سياقه المعتاد؛ إذ بادر مسؤولون أميركيون إلى التلويح بالعقوبات المفروضة على دمشق لعرقلة هذه الجهود، فيما كثّف بعضهم، خلال اليومَين الماضيَين، ظهوره على قنوات عربية مدعومة قطريّاً، تزامناً مع استقبال دمشق وفداً برلمانيّاً عربياً، تبعته زيارة هي الأولى من نوعها منذ أكثر من 10 سنوات، لوزير الخارجية المصري، سامح شكري، التقى خلالها نظيره السوري، فيصل المقداد، والرئيس بشار الأسد.
وفي إطار الحَراك الأميركي المعرقل لعمليات «التطبيع» الجارية، أصدرت «لجنة الشؤون الخارجية» في مجلس النواب الأميركي بياناً دعت فيه بشكل صريح إلى «التحرّك لمنْع التطبيع مع النظام»، بعد مداولات بين أعضائها خلصت إلى الموافقة على مشروع قانون خاص بـ«الاستجابة للزلزال في سوريا»، و«سُبل إيصال المساعدات»، والتي كانت واشنطن أعلنت مراراً أنها تستهدف بشكل رئيس من سمّتهم «الشركاء الموثوقين». وبدا لافتاً أن مشروع القانون الذي لا يزال ينتظر إقراره في مجلس الشيوخ وتوقيعه من قِبَل رئيس البلاد ليصبح نافذاً، ركّز على قانون «قيصر» للعقوبات، والذي تقول الولايات المتحدة إنه يهدف إلى «حماية الشعب السوري»، في مفارقة غريبة تحوّل العقوبات التي تخنق الاقتصاد وتضاعف الضغوط على المواطنين، إلى وسيلة مساعدة. وإلى المساعدات التي يعمل القرار على تسييسها، ركّز المشروع أيضاً على مسألة التطبيع مع دمشق، والتي هدّد بمواجهتها، حاثّاً «الولايات المتحدة على تضييق نطاق استثناءات العقوبات للإغاثة من الزلزال، بحيث تنطبق فقط على المساعدات الإنسانية المنقذة للحياة»، بالإضافة إلى استمرار عرقلة تمرير الطاقة إلى لبنان عبر سوريا.
وفي أوّل ردّ فعل قطري على التحرّك العربي للانفتاح على سوريا، أعلنت الدوحة أن موقفها من دمشق لم يتغيّر، على رغم مساعي شريكتها، تركيا، لتسريع خطوات التطبيع، بحثاً عن مكاسب على صلة بالانتخابات الرئاسية المقرّر إجراؤها في 14 أيار المقبل. وفي هذا الوقت، تخوض أنقرة مفاوضات رباعية، تضمّ إلى جانبها، كلّا من دمشق وموسكو وطهران، هدفها وضع جدول زمني واضح لنقل اللقاءات الأمنية الجارية حالياً إلى المستوى الديبلوماسي، لإجراء لقاء على مستوى وزراء خارجية الدول الأربع. وجاءت التصريحات القطرية بعد صمت إعلامي، وفي ظلّ استمرار العمل المناوئ لدمشق، إثر تناقل إشاعات أطلقها معارضون سوريون تتحدّث عن «صفقة» يجري الإعداد لها لإنهاء دور «الائتلاف» المعارض، الذي سلّمته الدوحة السفارة السورية، والانفتاح على دمشق، وهو ما نفته قطر بشكل غير مباشر.
إلى ذلك، عقد مجلس الأمن اجتماعاً خاصّاً بسوريا لمناقشة أوضاع البلد بعد الكارثة الإنسانية التي تسبّب بها الزلزال. وألقى المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسِن، كلمة رأى فيها أنه ثمّة عوامل تدعو إلى «التفاؤل» في ما يتعلّق بمسألة المساعدات الإنسانية، منها هدوء الجبهات، وسماح دمشق بفتح معبرَين إضافيَين عبر الحدود («الراعي» و«باب السلامة»)، إلى جانب معبر باب الهوى في ريف إدلب، إلى جانب تعليق بعض العقوبات أحادية الجانب المفروضة على دمشق. ولم تخلُ الجلسة من سجال بات معتاداً بين موسكو وواشنطن، حيث اتهمت الأولى الثانية بإعاقة إرسال إمدادات من الأسمدة الزراعية إلى سوريا التي تعاني أزمة غذائية، عن طريق احتجاز شحناتها في موانئ عدّة، أبرزها لاتفيا، في مخالفة لاتفاقات تتعلّق بتسويق الحبوب سمحت لروسيا بتصدير الأسمدة، وهو ما لم تلتزم به واشنطن التي تعتبر أنه يوجد استخدامات أخرى لهذه الأسمدة تدعو للشكّ. وسبق انعقاد جلسة مجلس الأمن، لقاء جمع بيدرسن إلى وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، ناقشا خلاله الظروف الإنسانية الصعبة التي تسبّب بها الزلزال، إذ طالب المسؤول الروسي بضرورة رفْع العقوبات المفروضة على سوريا كسبيل لضمان تدفّق المساعدات.
وبالتوازي مع الكارثة الإنسانية التي تسبب بها الزلزال، كثّف تنظيم «داعش» هجماته على مواقع عدّة في البادية السورية، مستغلّاً الانشغال بالكارثة؛ فهاجمت خلاياه جنوداً سوريين ومدنيين يعملون في جمع الكمأة. وفي استثمار أميركي مباشر لزيادة نشاط التنظيم، أعلن قائد «قوة المهام المشتركة – عملية العزم الصلب» (التحالف الذي تقوده واشنطن ضدّ «داعش»)، ماثيو ماكفارلين، أن بلاده «ملتزمة بإبقاء قوّاتها لضمان هزيمة داعش بشكل كامل»، معتبراً أن «هذه المهمّة تحظى بثقة وزير الدفاع الأميركي، وتمثّل أولوية في استراتيجية الدفاع الأميركية»، مشيراً إلى أنه «ما زال هناك كثير من العمل (المطلوب) من أجل هزيمة التنظيم»، في ردٍّ غير مباشر على بروز أصوات في الداخل الأميركي تدعو إلى سحْب القوات الأميركية من سوريا.