البرابرة متشابهون
لكم حذرنا ، و أفضنا في تحذيرنا أن البرابرة قادمون ، و لم يصغ لنا أحد ، فما عسانا الأن نصنع و قد و صل الذين نُحذر من وصولهم ؟
فأين نوجه الأن حديثنا و شكوانا إذ لا أحد يصغي إلى أحد في هذه الفوضى الدموية التي يبدو أن لا خلاص منها في الأمد القريب .
ها هم يلوحون براياتهم السوداء و قد خطوا فوقها بالأبيض أن الله معهم ، و أن شعاراتهم هي وحدها التي سوف تحقق لنا الخلاص المنشود الذي سوف يحررنا من البرابرة القدامى ، و يجدون مع هذه الوعود الملطخة بالسواد من يصدقهم ، لا لأن أهل البلد أغرار سذج و إنما لأن الحرمان المديد من الحرية في ظل سلاطين مستبدين أطلقواعلى أنفسهم لقب خلفاء الله على الأرض و الله بريء منهم ، هذا الحرمان الذي استمر أكثر من ألف عام هو الذي سلبهم القدرة على استخدام عقولهم ضد سيطرة الجهالة التي حولت الإيمان إلى ما يشبه العبودية و التعود على الطاعة و الرضوخ للذل فتساوى الماء و الخشب في وجدانهم عبر مغالطات تاريخ الأستبداد المديد ، فإذا قيل للناس ما عساكم صانعين بالبرابرة الجدد أجابوا : (( المهم الأن هو أن يحصل التغيير الذي عجزنا عن القيام به بانتظار تغيَر أخر يلغي التفاوت الطبقي الظالم )).
يقولون ذلك من دون أن يشيروا بكلمة واحدة إلى التغيير الأخر الذي يحلمون به و إلى دورهم في تحقيقه ، بهذا المنطق المثير للشفقة تَغسل أدمغة البشر مع فارق أساسي هو أنهم يواجهون في هذه المرة برابرة مقنعين بالقداسة و أنه لن يتغير معهم نظام الحكم كثيرا بل يظل على حاله من غياب الحريات العامة منذ أكثر من ألف عام و نيف فما العمل ؟ .
إذا كانت السلطة المطلقة مفسدة حقا فلا بد إذن من تفكير جديد يعالج مفهوم السلطة و تاريخها ما دامت هي السبب الأساسي لوباء الإستبداد كما يصنع الأطباء المهرة مع الأمراض المستعصية و ذلك بتحصين الأجساد بالوقاية لا بالعلاج بالأدوية و ما من وقاية قادرة فعلا لا قولا على حماية البشر من قيود الجهالة إلا بأن نحرر عقولهم من الخوف ، الخوف من إكتشاف الحقيقة و الجرأة الأدبية على الإعلان عنها .
قولوا إذن للبرابرة أيا كانت أثوابهم التي يتسترون بها أنكم لن تصلوا أبدا إلى مبتغاكم فالبرابرة متشابهون و لا يصلون أبدا إلى حدائق الحرية …