التصدّع بالهوّية العراقية الموّحدة ما زال سارياً (2)
التصدّع بالهوّية العراقية الموّحدة ما زال سارياً (2)
حوار مع الباحث والمفكر العراقي الدكتور عبد الحسين شعبان
*لنأخذ فرضية تطبيق الدستور العراقي، الذي لم يُطبّق حتى الآن ولا تلوح في المستقبل القريب إمكانية تطبيقه، فهل نحن أمام حالة تشاؤم بأن الدولة تتجه لتتحول إلى جمهورية إسلامية على غرار إيران مثلاً؟ وماذا عن النسيج الفسيفسائي للمجتمع العراقي؟
– هناك فرق بين التشاؤم واليأس، وإذا كان كل ما حولنا مدعاة للتشاؤم، إلاّ أن الأمر لا يدعو لليأس، طالما تستمر إرادة التغيير والمقاومة، ولكن هذه تحتاج إلى حشد قوى وجهود وتعبئة وتنظيم طاقات، مثلما تحتاج إلى إرادة سياسية ووعيّ مجتمعيّ مناقض ومناهض لوحدانيّة الخيار الضيق باسم الدين أو الطائفة أو القومية أو غير ذلك..
بتقديري المتواضع، إن الدستور هو أس المشاكل، فما بالك حين لا يُطبق، سنكون حينها أمام فوضى واتفاقات هشّة وتوافقات ظرفيّة سرعان ما يتم الانقلاب عليها، خصوصاً بفعل التدخلات الخارجية وولاءات بعض القوى أو تأثرّها أو تعويلها على العامل الخارجي في التغيير.
العراق ليس إيران، وتاريخ الحركة الوطنية في العراق يختلف عنه في إيران، و النسيج العراقي المجتمعي مختلف أيضاً، ودور القوى الدينية كذلك، ناهيك عن العامل الطائفي. فعلى الرغم من أن الشيعية السياسية حكمت العراق نحو 16 عاماً، أيّ منذ العام 2005 ولحد الآن وشاركت بدور متميز منذ الاحتلال عام 2003، إلا أنها ازدادت عزلة حتى عن الوسط الذي تدعيّ تمثيله، وإلا بماذا تفسر انتفاضة تشرين/إكتوبر2019، والتي ما تزال مستمرة وإلى اليوم؟ وإن خفت بريقها، لكن مطالبها ما تزال قائمة، ويمكن أن تتجدد، وهي في الغالب في المناطق الشيعية بالأساس، في الناصرية والنجف وكربلاء والحلة والديوانية والسماوة والعمارة والكوت والبصرة، ناهيك عن بغداد، وهي تعبّر بما عكسته من مطالب عن حقوق العراقيين بمختلف انتماءاتهم، وهي لا تختلف عن مطالب الكرد ومطالب المناطق الغربيّة في الرمادي وصلاح الدين إضافة إلى ديالى وكركوك وغيرها.
العراقيون بشكل عام وخارج الطبقة السياسية المستفيدة، وإن اختلفت مشاربهم، يدعون إلى محاربة الفساد الماليّ والإداري وكشف المفسدين ومساءلتهم وتقديم قتلة المتظاهرين إلى القضاء، كما يطالبون بانتخابات حرّة نزيهة وقانون انتخابي أكثر ايجابية من القانون الحاليّ، وكذلك يدعون إلى حصر السلاح بيد الدولة والضرب بقوة على يد المسلحين خارج القانون، ولعل إعادة النظر أو تعديل أو حتى إلغاء الدستور هو جزء من تفكير النخبة الفكرية والثقافيّة والحقوقية، لاسيّما بعد أن وصلت الأمور إلى طريق مسدود، خصوصاً بعدم تطبيقه، والاختلاف بشأن تفسيراته وتأويلاته المتناقضة، ناهيك عن عدم إمكانية لوضعه موضع التطبيق. وهو على مساوئه وألغامه، إلا أنه احتوى مبادىء إيجابية وسليمة فيما يتعلق بالحريات والمواطنة والديمقراطية وحقوق الإنسان، لكن هناك مواد أخرى شكلّت ألغاماً وكابحا عطّلت وتعطل من تطبيق هذه المواد.
* العلاقات بين إقليم كردستان والحكومة الفيدراليّة في بغداد يجب أن تنظم في إطار الدستور العراقي، لكن بغداد تمنع إرسال حصة الإقليم وتضع عقبات في الميزانية، ما هو برأيك مستقبل العلاقات بين بغداد وإربيل، لاسيّما في ظل عدم التفاهم بين الحكومة والإقليم؟
– المشكلة تكمن في الدستور، فقد تقرر أن تكون الدولة العراقية فيدرالية (اتحادية) وهو أمر جيد، وينسجم مع واقع ومطامح الشعب الكردي، لكنه أمر جديد بحاجة إلى تربية وتعليم وتفاهم وثقة ونصوص واضحة من خلال مؤسسات، إضافة إلى حكم القانون، فحتى الآن لا توجد أقاليم، باستثناء إقليم كردستان، ولم يتأسس المجلس الاتحادي، كما نصّ عليه الدستور، وصيغت بعض الفقرات بشكل يسمح بتفسيرات وتأويلات متناقضة ومتعارضة، مثل المادة 111 و112 بخصوص النفط والمصادر الطبيعيّة، وهناك جدل حول المادة 140 بشأن كركوك والمناطق المتنازع عليها كما وردت في الدستور، إضافة إلى المادة 142، وكذلك يمتد الخلاف بل والنزاع إلى صلاحيات حكومة الإقليم في ظل الدولة الاتحادية، ومنها حالة تعارض دستور الإقليم مع الدستور الاتحادي، وكل هذه الأمور بحاجة إلى تفكّر ودراسة ومعرفة وثقة وتفاهم يأخذ بنظر الاعتبار المصالح المشتركة في ظل دولة اتحادية منسجمة مع نفسها أولاً، فضلاً عن قناعات المجموعات الثقافيّة وثقتها بطبيعتها لا أن تكون دولة تحكمها الصراعات والنزاعات والإستقطابات التي تُضعفها.
لقد انتقلت الدولة العراقية من دولة مركزية بسيطة حين تأسست في العام 1921 إلى دولة لامركزية اتحادية (فيدرالية) بعد العام2003، وتكرّست في دستور العام 2005، بعد قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية (2004). لكن هذه الصيغة لم يتم تفعيلها وظلت عرضة للنقد وعدم الرضا من الطرفين، بل ولعموم القوى والتيارات المشاركة في العملية السياسية أو غير المشاركة، وإلا كيف يمكن تصوّر حجب حصة الإقليم من الرواتب والواردات التي يفترض أنها لا تكون محط مساومة، لأنها تتعرّض لقوت الناس ومصادر عيشهم، أما الخلافات فيمكن أن تُحلّ برأس بارد وقلب حار كما يُقال. وبخصوص تصدير النفط والحصص المُتفق عليها والشفافية في ذلك فينبغي وضعها في إطار حلول بعيدة المدى تأخذ مصالح الدولة بنظر الاعتبار ومستقبل المواطن العراقيّ ولا بد هنا من تشريع قانون للنفط وهو الذي بقيّ قيد المناقشة وفي الأدراج منذ عقد ونصف من الزمن، والأمر يتعلق أيضاً بمستقبل المواطن في الإقليم، وتأمين الاستقرار في البلاد بشكل عام.
الصيغة الفيدرالية الراهنة وصلت إلى طريق مسدود، ويمكن القول أنها أقرب إلى الإخفاق بسبب عدم وجود فهم مشترك لها، ناهيك عن النقص في الثقافة الفيدرالية، بل وعدم الإيمان بها أو التعامل معها باعتبارها صيغة مؤقتة، وهناك من ينتظر إعادة القديم إلى قِدمه، أي العودة إلى الدولة المركزية. في حين هناك من يتطلع إلى الانفكاك عن الدولة المركزية وصرامتها وعسفها.
ما كنت أؤمن به، وما أزال، يقوم على ركنين أساسيين:
أولهما: الأخوّة العربية-الكردية، وكنت قد دعوت إلى أول حوار عربي_كردي، وذلك قبل نحو 3 عقود من الزمان، وفي إطار المنظمة العربية لحقوق الإنسان التي كنت أترأسها في لندن، وتبقى هذه الصيغة قابلة للتفعيل والإضافة والتطوير باستمرار إرتباطا بالحقوق الإنسانية والعلاقة بين الشعبين الصديقين، ولاسيّما بين النخب ويمكن استحضار حوار مثقفي الأمم الأربعة (الترك والفرس والكرد والعرب)، وكان هذا المشروع الذي بدأ في تونس بمبادرة كنت قد دعوت إليها منذ عقد نيف من الزمان قد لقيت صدى كبيراً وأهمية أكبر باحتضانها من جانب سمو الأمير الحسن بن طلال، الذي نظم لقاء مهماً في عمان في 22/7/ 2018 تحت عنوان “أعمدة الأمة الأربعة”.
وثانيهما: حق تقرير المصير للشعب الكردي انطلاقا من إيماني القانوني والقول بالفكرة الكونية لحق تقرير المصير بما فيه الإتحاد الاختياري الأخوي أو تكوين كيانية مستقلة (دولة) تكون ظهيراً وداعماً لدول المنطقة في اطار النضال المشترك والأهداف المشتركة وعلاقات الصداقة والتضامن، خصوصاً بين العرب والكرد ضد الأعداء المشتركين.
وإذا ما أريد لصيغة الفيدرالية أن تستمر وتتعزز وتترسخ لا بد من إعادة النظر بجوانبها المختلفة عبر تفاهم بين القوى السياسية وحوار مجتمعيّ بعيد المدى يأخذ المصالح المشتركة بعين الاعتبار، وإلا ستكون هذه الفيدراليّة، كما وصفها الصديق المفكر البروفسور شيرزاد النجار وهماً، وهو محق بذلك، خصوصاً إذا ما أخذنا صيغ الفيدراليات واختصاصاتها على المستوى الكوني، وهي موجودة ومطبّقة في نحو 30 بلداً.
لا بد من إجراء مراجعة وتدقيق ووضع صيغ جديدة معقولة ويمكن تطبيقها بروح الثقة المتبادلة وغير خاضعة للمناوشات اليوميّة والمزايدات السياسية الانتخابية وغير الانتخابية أو الارتياح الشخصية، بل وضع صيغ قانونية وتفاهم شامل ومصالح تجمع إربيل ببغداد في ظل دولة موحدة ومستقرة بموزايكها المتعايش وهوياتها الفرعيّة والجامعة.
إذا استمر الوضع كما هو حالياً، فإن الأزمة ستفرّخ أزمات أخرى، وهذه ستكون مُستحكَمة، بل ستتحول إلى بؤرة من بؤر الصراع المستدامة، لاسّيما حين تلتف حولها مصالح مكتسبة أو محاولات لإلغاء ما هو متحقق في ظل استمرار عدم الثقة بين السلطة في بغداد التي يفكر بعض أركانها بطريقة مركزية شديدة الصرامة أحياناً، وبين بعض القوى في الإقليم التي تفكر بطريقة بعيدة عن تصوّر بغداد، لدرجة الانفكاك حين يصبح التفاهم مستحيلاً، الأمر الذي يخلق هوّة تتسع مع مرور الأيام ويصعب ردمها، وتوقع ومآلاتها.
*هناك هدوء بين المكونات الرئيسية (الكرد والسنة والشيعة) حاليّاً، لكن الخلافات داخل البيت الشيعي قائمة لاسيّما بين التيار الولائي وبين التيار الشيعي غير الولائي والأبعد عن إيران؟ ما هو رأيك أن مرجعية النجف تساند الأخير؟ وهل يمكن أن تتحول الخلافات إلى حرب أهليّة بين التيارين؟
– تعرف تحفظيّ على مصطلح المكونات، وسبق وأن ذكرت ذلك في معرض تحفظي على الدستور، وكنت قد كتبتُ كتابين بينت ملاحظاتي حول الدستور وألغامه ومشكلاته الراهنة والمستقبليّة، وذلك لإيماني أن الدستور هو القانون الأساس الذي يُحدد طبيعة نظام الحكم وشكل الدولة وسلطاتها وحقوق مواطنيها وحرياتهم. وقد احتوى الدستور ألغاماً خطيرة كانت وراء العديد من الأزمات العاصفة التي شهدتها، وباستمراره فإن الهوة ستتسع وتزداد عوامل عدم الوحدة والاستقرار في جوفها، خصوصاً في ظل التدافع على المصالح والامتيازات والانقسامات الطائفية والإثنيّة، دون أن ننسى العاملين الإقليمي والدولي الذين يستمر تأثيرهما على نحو شديد وبصورة مباشرة أو غير مباشرة.
والأمر لا يشمل الشيعية السياسية وحدها، وإنما يمتد إلى ما إصطلح عليه خطأً مقصوداً “المكونات”، وإذا كان ما سُميّ بـ”البيت الشيعي” قد تأسس عشية إنتخابات العام 2005 فإنه ظل ًبيتاً بلا سقف ولا جدران، وهكذا كان التفكك والتآكل قد أصابه بسبب الصراعات والمنافسات الحادة بين الجماعات المكوّنة له، خصوصاً على الزعامة ومراكز النفوذ والامتيازات، وليس عبثاً أن يتهم الجميع الجميع بالفساد وسوء الإدارة، ويحمّل كل فريق الآخر المسؤولية عما آلت إليه الأمور، والأمر يشمل الفرق الأخرى المشاركة في الساحة السياسيّة. وإذا كان السيد السيستاني، وهو أحد المراجع المتنفّذين في النجف قد دعم ما سُميّ بالتحالف الشيعي، فإنه نأى بنفسه بعد ذلك بسبب الأخطاء والخطايا التي وقع فيها هذا التحالف، الأمر الذي أفقده الكثير من عناصر صدقتيه، خصوصاً حين كان في المعارضة، وأدت ممارسته في الكثير من الأحيان إلى انتهاكات سافرة وصارخة لحقوق الإنسان، بل زادت حتى على ممارسات النظام السابق في العديد من المجالات، لاسيّما الفساد المالي والإداري والسياسي، ناهيك عن الشحن الطائفي ومحاولات التسيّد وإملاء الإرادة.
وإذا كانت ثمة أجنحة في الحشد الشعبي، بعضها سُميّ بالولائي المقرّب من إيران والحليف الأشد معها، فإن هناك “حشود” أخرى بعضها قريب من مرجعية السيستاني، وبما أن خطر “داعش” قد اضمحل، خصوصاً بعد تحرير المناطق التي كانت تحت سيطرته، فإن الملّح في الأمر يتطلّب تعزيز وتقوية القوات المسلحة العراقية: الجيش، وقوات الشرطة، والمخابرات والأجهزة الأمنية والإستخبارية وشرطة المرور والنجدة ومكافحة الجريمة، ناهيك عن جهاز مكافحة الإرهاب، وهو ما يعوّل عليه كقوة نظامية هدفها حماية الوطن وأمنه وسيادته.
وأظن أن أية صيغة موازية سوف تخلق نوعاً من التعارض والتصادم، – حتى وإن ألحقت بالجيش نفسه، لاسيّما إذا اختلفت مرجعياتها. وأعتقد أن مرجعيّات النجف ليست بحاجة إلى جناح عسكري يحميها لأنها بحماية الدولة وإحترامها وتقديرها، وذلك واجب على الدولة وقواتها الأمنيّة.
وسواء كان وجود الجناح القريب من السيستاني أو الفريق القريب من إيران أو غيرهما ضرورة لدعم القوات المسلحة ضد خطر “داعش”، فإن تلك الضرورة التي أملتها الحاجة لتأسيس الحشد الشعبي قد استنفذت أغراضها، ويمكن لأفراده الانتقال إلى المؤسسات المدنيّة والخدميّة، لاسيّما لمن يصلح منهم، لكي لا يخلق أيّ تعارض أو مراكز قوة يتم استغلالها لإضعاف الدولة تارة باسم الولائيين وأخرى بالضد منهم، وستبقى الخلافات قائمة بحكم المنافسة.
وعلى الدولة أن لا تتهاون في ذلك وأن تبسط سلطانها على جميع أراضيها ومواطنيها وتحقق سيادتها الداخلية والخارجية وتحميّ حدودها من أي تدخل أو تهديد، فتلك إحدى وظائفها الأساسية، وإلا لماذا هي إذن دولة إن لم تستطع ذلك، وخصوصاً حماية أرواح وممتلكات المواطنين؟
*قاد عدم الاستقرار السياسيّ والأمنيّ إلى اغتيال مرشحين وناشطين مدنيين وصحافيين، وهذا ما أثار غضب الشارع العراقي، وقد رفعت تظاهرات الأسابيع المنصرمة شعار “من قتلني”، وهو مطلب شعبي، وهناك أطرافاً سياسية دعت إلى مقاطعة الانتخابات المقبلة، فهل ستؤدي هذه الأوضاع إلى تأجيل الانتخابات؟
ـ أعتبر غضب الشارع مشروعاً، فإن لم تستطع الحكومة وقف القمع والاغتيالات ومحاسبة المسؤولين، فماذا تنتظر من الشارع غير الاحتجاج، وحمداً لله فإن الأمور لم تتطور إلى عنف وعنف مضاد، وقد تحلىّ المتظاهرون بوعيّ عالٍ وإرادة قوية ولم ينجرّوا إلى العنف الذي حاولت قوى معلومة ومجهولة جرّهم إليه. وقد تمتع المتظاهرون برباطة جأش وصبر وثقة بالنفس وقاوموا الرصاص بصدور عارية، فعنفان لا يولّدان سلاماً وجريمتان لا تنجبان عدالة، ورذيلتان لا تنجبان فضيلة.
الانتخابات تحتاج إلى أجواء طبيعيّة وسلميّة وآمنة وإلى ضمانات للمرشح والناخب وإلى وضع حد للتزوير والتلاعب. وقد كانت إنتخابات العام 2018 أقرب إلى المهزلة، ولم يشارك فيها أكثر من 20% في أحسن الأحوال بحسب تقديرات كثيرة معتمدة.
وحتى لو جرت الانتخابات، فالقانون الانتخابي الجديد تم تفصيله لمصلحة المجموعات الكبيرة التي توزعت على المناطق، وستحاول ابتلاع الكتل والشخصيات المستقلة، علماً بأن الكثير منها لا يعوّل على الانتخابات، بل إنها مُحبَطة ومتشائمة من النتائج التي تقول عنها أنها معلبّة ومعروفة سلفاً، حتى سيتم تدوير الزوايا واستبدال أشخاص من الاتجاه والتوّجه نفسه، فهل سيؤدي ذلك إلى التغيير المنشود الذي دفع المتظاهرون أكثر من 700 شهيد ونحو 20 ألف جريح بسببه، أم أن “شرعيّة” القوى الحاكمة سيتم تكريسها في ظل نظام محاصصاتي يقوم على الزبائنية والمغانم تحت عنوان “ديمقراطية التوافق”؟.
هذه الأخيرة إذا كانت صالحة فإنها لفترة انتقالية ولدورة أو دورتين انتخابيتين، وليس إلى ما لا نهاية بحيث بات عرفاً رئاسة الجمهورية للكرد، والبرلمان للسنيّة السياسية، ورئاسة الوزراء للشيعية السياسية، والوزارات السيادية كالخارجية والمالية والداخلية والدفاع والعدل موّزعة على ما يُطلق عليه “المكونات” فمن لم يلحقه التوزيع الثلاثيّ للرئاسات يضع عينه على الوزارات السيادية شرطاً للتوافق، خصوصاً من القوى المتنفذّة.
وهناك ثلاث احتمالات قد تظهر في المشهد السياسي خلال الأشهر القادمة وفقاً للدراسات المستقبلية للعلوم السياسية:
أولها: تحسن الوضع وانتخابات في ظل رقابة دولية ومنافسة شديدة تفتح ثغرة في مجلس النواب لصالح قوى لم تجرّب حظها في الميدان، وإن كان الأمر محدوداً، لكن قد يشكّل خرقاً وإن كان بسيطاً في الميدان.
وثانيها: بقاء الوضع على ما هو عليه، وهذا يعني تراجعه بعد مراوحة، وقد يستغرق الأمر دورة أخرى جديدة بعد دورة تشرين القادم، إن تم إجراء الانتخابات فيها أو حتى إن تأجلت لغاية العام 2022 بحيث تُجرى في موعدها الاعتيادي.
وثالثها: تدهور الوضع بحيث يصعب معه إجراء الانتخابات حتى بموعدها، وقد يكون للصراع الأمريكي- الإيراني دوره في ذلك، خصوصاً إذا احتدم، علماً بأن هناك قوى عراقية مقربة من إيران ستحاول استهداف المصالح الأمريكية، ومثل هذا الأمر يعقّد المشهد السياسي. (وقد تؤدي الخلافات الداخلية إلى نزاعات واحترابات وصراعات شيعيّة-شيعيّة، وسنيّة-سنيّة، وكرديّة-كرديّة). مما أمر سيُنذر بمخاطر جمّة على العراق ودول الإقليم بحكم الترابط والمشتركات. وينبغي على العقلاء أو من تبقّى منهم أن يفكر لا بمصلحة الطائفة أو الإثنية أو الجهوية أو العشائرية أو المجموعة الحزبية التي ينتمي إليها لأن التفتت التشظيّ أو الانقسام سيشمل الجميع بلا استثناء ولا أحد يستطيع أن يعفيّ نفسه من المسؤولية أو يتجنّب العواصف.
گولان میدیا