التقدم في السن.. أمنية تتحقق دائماً

يبالغ الطبّاخ الفاشل في التوابل والحلاّق التافه في السيشوار و البخيل في ادعاء الكرم، كما يكثر الكهربائي المتمرّن من المفكّات، والكذّاب من الحلفان, والمرتاب من التبرير والمغفّل من التوجّس والسياسي من التودد، والمهزوم من التوعد، والغريب من الصداقات والحزين من الضحكات ..وكذلك يركّز الغبي على فطنته، وغير الموهوب على نشطه، والهجين على أصالته والقبيح على وسامته والسكّير على توازنه والمريض على سلامة صحته ..ويمضي الذكي في عدم الاستغباء.. ويحتار المبدع في عدم الادعاء.. فإلى من يلوذ العادي، أي من ” يأكل الطعام ويمشي في الأسواق”.. وقد عظمت صفاتهم كثرةّ؟ّ

إنها دموع لا يراها العالم وابتسامات تختفي خلف التجهّم …إنه الإنسان ..وعلى ذكر الإنسان,مازلت أتذكّر رفيق المدرسة الابتدائية الذي ضربني يوما على إنسان عيني ..هكذا قالت لي آنستي في المدرسة،ثمّ أضافت في تقريرها الموجّه لإدارة المدرسة أنّ “إنساني”،أي إنسان عيني قد تضرّر كثيرا وينبغي فحصي أمام طبيب مختص حول مسألة النظارات.

جاء موعد الفحص أمام طبيب العيون واصطحبني والدي وهو أعزل من أي نظارات ـ لا لقوّة في بصره وإنما لكونه لا يحب القراءة ـ,جلست على الكرسي مقابل تلك اللوحة التي لا تحتوي إلاّ على حرف واحد من اللغة اللاتينية وأشاربعصاه :إلى أي اتجاه يشير هذا الحرف؟ فارتعبت لأنّ عصاه تشبه عصا المعلّم، لكنّ والدي أنقذني في اللحظة المناسبة وفي غفلة من الطبيب وأشار بيده يلقّنني الاتجاه الصحيح دون أن ينتبه الطبيب لذلك، كانت إجابتي الأولى صحيحة,وكذلك الثانية وحتى العاشرة، لأنّني كنت أثق بكلام والدي ..وخرجت أنا وأبي من عيادة الطبيب مسرورين ،وأكلنا طبقا من الطعام لم أتبيّن لون توابله إلى حدّ الآن، ذلك أنّن لم نكن نضع نظارات طبية،ثمّ أنّ طبّاخ المطعم كان مبتدئا على ما يبدو كما قال أبي.

ذهبنا إلى حلاق أبي المفضّل فأكثر لي من السيشوار أي مجفف الشعر رغم أنه لم يغسل لي شعري,احترق شعري فاضطرّ لحلاقته على الصفر بناء على نصيحة أبي الذي أمرني بالتكتّم ،علمت أمّي بالموضوع طبعا وطلبت مني أن أقسم بأن لا أمشي قبالة أبي أثناء الخروج إلى الصيد فأقسمت ،وكاد أبي بعد يوم أن يطلق النار عليّ وعلى الكلب لضعف نظره رغم أنّه لم تمرّ أمامنا أي أرنب ولا فوقنا أي سحابة، لكنه أطلق النار..أنا أيضا مازلت أحب إطلاق النار.

اشترى أبي في طريقنا قنصا كثيرا وقال لي لا تخبر أمك بالموضوع ،قل لها نحن اصطدناه ، عدنا أنا والكلب نمشي خلفه ،فرحت أمي على سلامتي وشكرتني وحدي على عدم المشي أمام أبي في رحلة الصيد ،تعشينا ثم نصحت أمي أبي بعدم اصطحابي أنا والكلب مع النقود في رحلة الصيد خوفا على سلامتنا جميعا.

مات أبي دون نظّارات وماتت أمي وهي خائفة عليّ من ضعف النظر وظللت أنظر إلى قبريهما بعينين دامعتين خلف نظارات سميكة ، ما هذا يا الله ..حتى الأطفال يكبرون..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى