الثور والثروة
ليست شكوى على الوسائل الإعلامية لأن صفحتها الأولى، أو خبرها الأول السيء أو تملقها لهذه الدولة أو تلك، أو هذا الزعيم أو ذاك.
الشكوى هي من كل ذلك، لا لأنه ينتشر على صباحات قهوة الناس، بل لأنه… يحدث! ما يحدث يجب ألا يحدث. مثلاً: أليس من العار أن يكون موضوع المناخ، والترفع الحراري غير قابل للعلاج؟ ومن قِبل الناس القادرين على ذلك؟ أمريكا أولاً؟ اليوم يقال إن الأعاصير المتزايدة والحرائق المنتشرة في الولايات المتحدة… سببها عدم توقيع أمريكا على اتفاقات المناخ. أينبغي إدراك الخطر فقط عندما تصل سكين الزلزال إلى رقبة حامي حماقات اللعب بالطبيعة؟
لننتظر احتجاجات باريس. وإلى كل نفاق أوروبا، لنجد على قفا الصورة بشاعة لا يذكرها أحد… الحرب في اليمن مثلاً ،التي لا تترك مجالاً للشك، بأن ضمير الغرب انتقائي. القتل ، في الحرب ، مفهوم فلا أحد يخوض حرباً إلا لينتصر بالسيف والدم. ولكن عندما يموت الناس لأنهم لم يتركوا عشبة برية إلا أكلوها. حتى أصبح الموت جوعاً ماركة مسجلة في بضاعة الموت على يد برابرة المناخ، والترفع الحراري، والبيئة الملوثة، والفتك بالشجر.
هذا الصباح أردت الابتعاد عن الصفحات الأولى… وحين ذهبت إلى تفقد يومياتي وجدت هذه القطعة المكتوبة من 20 سنة على قصاصة ورق مصفرة:
“نصحت صديقي المخرج السينمائي، الذي زرته في يوم تصوير ذبح الثور لأنه اعتدى ، في الفيلم ، على حنطة المزرعة المجاورة.
نصحته ألا تضطره أية فكرة إلى ذبح ثور حقيقي وإظهار الدرجة الفظيعة من العنف: العنق، السكين، الدم، شخير الحنجرة، ارتعاش الجسد، جحوظ العينين. همود الحياة، وارتخاء أعضائها الجبارة.
كانت سعادة المخرج، الذي اقتنع، لا توصف. وأنا كذلك.
ومعاً تفرجنا على مساعدي الإنتاج وهم يفكون حبال الثور، وينطلق كأنه محرّر في عمق بصرنا في الحقول. ولم يكن بالغ الصعوبة مهنياً، ترميم السيناريو التنفيذي للفيلم.
توقفت متأثراً ، فالمخرج أصبح في إحدى غيوم الموت في سماء ما…توقفت عند هذا الخبر الطريف في صفحات الإنترنت:
“الثور جيكوبيسن مواليد العام 1994 توفي اليوم تاركاً وراءه هذه الإنجازات:
تصدّر حيواناته المنوية إلى أكثر من 60 دولة حول العالم. وقد حصل مالكوه على ما يقارب 16 مليون يورو. وقد بلغ عد أبنائه 161888 ثور وأبقاره الحلوبات 400 ألف بقرة.
“الثور جيكو… وداعاً”.
هكذا قال مدير حظيرته في هولندا.