الجامايكي مارلون جيمس يحوز بوكر بـ «جرائمه»
استغرب مايكل وود، رئيس اللجنة الحكم لجائزة مان بوكر هذه السنة، كيف يمكن التمتع الى درجة كبيرة بقراءة روايات اللائحة القصيرة، وهي كلها قاتمة. حين أعلن اسم الفائز الجامايكي مارلون جيمس ليل الثلثاء مدح أستاذ الأدب المقارن في جامعة برنستن المدى الصوتي والحركة السريعة لـ «تاريخ مختصر لسبعة جرائم قتل» التي قال إنها تتجاوز رواية الجريمة لكي تتعمق في تاريخ حديث لا نعرف الكثير عنه، وإنها ستتحول عملاً كلاسيكياً من زمننا. كانت أكثر الروايات إثارة على اللائحة القصيرة، وبقيت تفاجئ أعضاء اللجنة بأصواتها الكثيرة الجديدة، وفاجأ هؤلاء أنفسهم أيضاً حين لم يجدوا مشكلة في الإجماع على الرواية، علماً أن مكاتب المراهنات رجّحت منذ البداية فوز الأميركية من هاواي هانيا ياناغيهارا عن «حياة قليلة». تحفل «تاريخ مختصر لسبع جرائم قتل» بالسباب وتفصّل العنف والجنس بلا مهادنة، ولا يمكن إهداؤها لأمهاتنا كما لاحظ وود.
هي السنة الثانية التي ترشح للجائزة روايات بالإنكليزية من كل العالم بعدما اقتصرت خمسة وأربعين عاماً على المملكة المتحدة ودول الكومنولث. ضمّت القائمة القصيرة النهائية، الى جيمس، البريطانيين توم ماكارثي وسانجيف ساهوتا عن «جزيرة الساتان» و»سنة الهاربين»، الأميركيتين آن تايلر وهانيا ياناغيهارا عن «بكرة خيط أزرق» و»حياة قليلة» والنيجيري تشيغوزي أوبيوما عن «صيادو السمك». قدمت دوقة كورنوول، زوجة ولي العهد الأمير تشارلز، الجائزة وشيكاً بقيمة خمسين ألف جنيه استريني للفائز الموعود بزيادة أكيدة في البيع، وربما جوائز أخرى. تجاوز بيع «الطريق الضيقة الى عمق الشمال» للفائز العام الماضي الأسترالي ريتشارد فلاناغان مليون نسخة، وقال هذا إنه لم يعد يقف ككاتب في الموقع نفسه بعد نيله «الشرف الفائق».
جيمس أول رابح من جامايكا، وروايته الثالثة من نحو سبعمئة صفحة وخمس وسبعين شخصية وصوتاً. قالت «نيويورك تايمز» إنها ملحمية بكل معنى الكلمة، واسعة، خرافية، مبالغة، ضخمة ومعقدة الى درجة ندوخ معها. تركز على محاولة قتل مغني الريغي بوب مارلي في أواخر 1976 التي يراها جيمس حدثاً ضخماً حافلاً بالأسرار والهمسات. في الثالث من كانون الأول (ديسمبر) وقبل يومين من اشتراك مارلي في حفلة «ابتسمي جامايكا» المجانية اقتحم سبعة مسلحين من شرق كنغستن منزله وهم يطلقون النار من الرشاشات. هدفَ مارلي الذي يدعوه جيمس طوال الرواية «المغني» الى تخفيف حدة التوتر السياسي، لكنه كاد يقتل مع زوجته ومدير أعماله. شارك في الحفلة، وغادر بعد يومين ولم يعد الى بلاده إلا بعد عامين. يروي محاولة الاغتيال شهود وملكات جمال وعملاء لـ «وكالة الاستخبارات الفيديرالية» و»وكالة التحقيق المركزية» وقتلة وحتى أشباح وبائع مخدرات يموّن كيث ريتشارد من فرقة «رولينغ ستونز». ويتجاوز المشهد محاولة الاغتيال الى العنف والسياسة والمشهد الموسيقي في كنغستن في السبعينات.
قال جيمس الذي يبلغ الرابعة والأربعين ويعيش في مينيابوليس، الولايات المتحدة، إن تشالز ديكنز كان من الكُتاب الذين شكّلوه، وإنه لا يزال يعتبر نفسه ديكنزياً في كل جوانب القص التي يؤمن بها من عقدة ومفاجآت ومواقف مشوقة. أهدى الجائزة الى والده الذي كان يتبارى معه وهو فتى في حفظ مقاطع طويلة من مسرحيات شكسبير في حانة في جامايكا. تمنى أن يلفت فوزه الانتباه الى أدب بلاده، لكنه اعترف أنه كان عليه الابتعاد ليتجنب العواقب. خاطر في الشكل والموضوع أكثر من روايتيه السابقتين، وعجز عن متابعة الكتابة مراراً. ظن أنها ستكون روايته الأقصر، وعاد الى قراءة روايات الجرائم، وأحب فكرة كتابة رواية جريمة قصيرة. لكنه انتهى برواية من نحو سبعمئة صفحة ولم يظهر المجرم قبل الصفحة 458. لماذا؟
الجواب الأسهل هو أن بوب مارلي ذو كاريزما متفجرة، ولأنه حتى في موته يحتل الفسحة التي يوجد فيها. ما حفّز جيمس أولاً هو حل اللغز، وهو لا يكتب ما يعرفه بل لأن لا فكرة لديه عما يكتبه. كانت محاولة اغتيال مارلي حدثاً ضخماً حافلاً بالأسرار والهمسات لم يرغب أحد في الحديث عنه. بدا للكاتب أن القصة توقفت قبل أن تنتهي، وجرب شخصيات عدة. فكر ببامبام البالغ الخامسة عشرة الذي نشأ في حس الأكواخ الفقير العنيف، وشاهد والديه يقتلان أمامه وهو في الثانية عشرة. هجس الفتى بمارلي الى درجة الرغبة لكن دوره لم يتجاوز ستين صفحة. في نهاية 2010 كانت لديه روايات عدة قصيرة فاشلة يجمع بوب مارلي بينها ولكن من دون قصة. فعل ما يفعله الكُتاب: باح بمصاعبه لصديقته الكاتبة راشيل حول بضعة كؤوس، فسألته متى قرأ «حين رقدت أحتضر» آخر مرة وهي تشير الى تعدّد الأصوات. أدرك أنه كتب رواية من دون أن يدري، ولم يدرك أنها كانت متعددة الأصوات على رغم شغفه بالشكل. تحررت الشخصيات من حمل الرواية بأكملها، واستطاعوا الاكتفاء بكونهم أنفسهم. نفكر عادة بفكرة كبيرة ثم نتفرّع، وهو فعل العكس. كتب من الهامش واقترب من الحدث الكبير حتى بات محور القصة.
صحيفة الحياة اللندنية