الجوائز والجنائز
بعد سنوات من تفجير المخابرات الليبية لطائرة “بان أمريكان” فوق مدينة لوكربي الاسكوتلندية، وذهب ضحيته 270 ألف مسافر… أقرت ليبيا، بعد إنكار طويل، بمسؤوليتها عن العملية. وتم دفع تعويضات بلغت مليارين و 800 مليون دولار. وكانت حصة كل ضحية 10 ملايين. حدث هذا بين الأعوام 1988 و2003.
تذكرت هذا وأنا أقرأ عن “جائزة القذافي العالمية للآداب” التي أطلقت عام 2009. وكان مبلغ الجائزة لايساوي شيئاً بالمقارنة مع ثمن دولاب البوينغ حسب التعويض الرهيب بالمليارات… الجائزة 200 ألف دولار.
ولكن قصة الجائزة هي المهم… فلقد اجتمعت لجنة الجائزة ، برئاسة الدكتور صلاح فضل وقررت ترشيح الإسباني “خوان غويتيسولو” ولكنه رفض الجائزة برسالة مهذبة جداً للجنة وعلى رأسها د. صلاح فضل، وبلغة إدانة قوية جداً لجهة الجائزة واسم صاحبها قائلاً: “إنها جائزة من ديكتاتور”: ” لايمكن أن أقبل مالاً من شخص حكم بلاده أكثر من أربعين عاماً بانقلاب عسكري”.
ولتفادي الفضيحة اختاروا الكاتب الجنوب أفريقي “بريتنباخ”، الذي رفضها أيضاً. وكان الحل الأخير للورطة أن أعطيت الجائزة إلى الدكتور جابر عصفور، الذي قبلها لأنه “مع العدالة والحرية والاشتراكية”. ولكن بعد انهيار النظام الليبي حاول الدكتور جابر عصفور رفض الجائزة وإعادتها، فعرف كيف يعلن رفضها ، ولكنه اكتفى بالتساؤل عن كيفية إعادة المبلغ وعنوان المستلم.
في العام 2014 نال غويتيسولو جائزة ثرفانتس للآداب، وهي أهم جائزة إسبانية. وأمام الملك والملكة، قرأ أقصر خطاب في تاريخ الجائزة المؤلف من ألف وثلاثمائة كلمة تركزت على الدفاع عن الإنسان بوصفه قيمة عليا بصرف النظر عن انتمائه وأصله.
هذا الكاتب وضع بين يدي وكيل أعماله مخطوطة عمل أدبي ، مع وصية حازمة، بألا تنشر قبل مرور عشر سنوات على وفاته. وطبعاً كان هناك وصية علنية ، قبل وفاته بزمن طويل، بأن يدفن في المدينة التي عاش فيها النصف الثاني من حياته ، واعتبرها وطنه، ومسقط رأسه ، وهي مدينة مراكش المغربية… فدفن فيها ، كما أوصى، إلى جوار الصديق الاول الذي تعرف إليه في منفىاه الفرنسي…”جان جينيه”.
برنارد شو قال عن جائزة نوبل 1992: “هذه الجائزة أشبه بطوق نجاة يلقى به إلى شخص وصل إلى بر الأمان، ولم يعد هناك خطر عليه. وإنها حائزة تمنح لمن لا يستحقها.”
سارتر، الذي رفض جائزة نوبل أيضاً عام 1964 قال عنها: “هذه الجائزة مثل قبلة قبل الموت. وإنها تستعمل كـ “صك غفران”.
هتلر منع ثلاثة ألمان في اختصاصات مختلفة من استلامها، وكذلك منع الاتحاد السوفييتي عام 1958 لويس باسترناك من قبول الجائزة، عن روايته “الدكتور جيفاكو” وهي الرواية التي ظلت ممنوعة حتى عام 1988.
“إن الجوائز تكاد تكون مرتبطة بالجنائز”.