الحائط والقصيدة
عشرة أيام مرت على هذه القصيدة ، وهي تحاول التعلق بحائط… أتيت لها بلاصق، لكن غبار الحائط يسقطها أرضاً.
البيت مليء بقصائد على الجدران. كأنها ثياب اللاجئين ينشرون على الحبال غسيلهم.
قصيدة ملصقة بصمغ الشجرة التي في حديقة البيت. قصيدة أخرى مثبتة، مثل فراشة المختبرات، بدبوس على خشبة. وقصيدة تتوسل البقاء، مدلّاة بخيطها الواهن على مسمار مخلّع.
أما هذه القصيدة…المولودة قبل عشرة ايام فهي تعاند مصيرها:
حائط المطبخ رفض استضافتها على بياضه المتنمّر الفخور.
فيما الصالة تقبل على جدرانها ما هو أقل منها حفاوة بالحياة.
تقبل الشقراء ذات الشعر القصير… المدخنة المبتذلة لأركيلة وحدتها.
تقبل ذات الأجراس الكاذبة في قطيع يصعد السفوح إلى التهلكة في كمين الذئاب.
تقبل تلك التي تحاول تقليد “أدونيس” بشقائق النعمان المزيفة، وتلك التي مملوءة، كمهرج على مسرح بلا متفرجين، بإدعاءات الحب في عصور الكراهيات العظمى.
تقبل القصيدة العارية ذات الأثداء التي تدعي أنها تخبىء في نضارتها حليب السنونو.
وثمة قصيدة من لهب:
لا يدهمنّك من دهمائهم عدد فكلّهم أو جلّهم… بقرُ
ثمة واحدة عرجاء، كأنما تهم بالمغادرة، معلقة بستائر النافذة:
“أيها المشفقون…
لا تلمسوا الجرح بصدري…
فتوقظوا كبريائي.”
أما في ممشى المغادرة، في البيت، فقد رأيت قصيدة ترفرف كطائر في قفص:
“نحبهم…فيرحلون.
نشتاق إليهم…وهم لا يشعرون.
وعندما نوشك على نسيانهم…يعودون.”
أما على باب المغادرة، قرب حمالة المفاتيح المعلقة إلى جوار عكازة تسلق السفوح…فقد يسعفك النظر وتقرأ هذه الكلمات:
“أحبك البعض مني…
وقد ذهبتَ بكلّي.”
ازدحام الأوراق على الحائط. هنا. هناك. عند المدخل. عند الخروج. يصنع معجزة الانفصال عن الواقع. إن بوسعك التلذذ بالصمت، فيماالمدافع تدوّي. والليل يهشم الهدوء بعواء جماعي استغاثي حزين لفريق ذئاب جائع.
هذه القصيدة ، أم عشرة أيام، مازالت تبحث عن مكان.
لا تثبت.
لا تبقى.
لاتغادر.
كأنما
تطردها الجدران.
بعد منتصف الليل .بعد منتصف الرعد…
اهتزالحائط .
بعد منتصف الليل… تداعى الحائط .
أبعد قليلاً في الزمن… انهارالحائط .
دفن الحائط القصائد كلها.
لكن الحائط انقذ ، من رماد المتفجرات، قصيدتنا الأخيرة .