الحلم العربي بات كابوساً!
أكد تقرير منظمة الشفافية العالمية أن لبنان أصبح في قاع لائحة معدلات الفساد بالعالم، حيث أن الحكومات المتعاقبة عليه لم تستطع إيصال الخدمات إلى المواطن بشكل كافٍ، وما زال المواطن يقبع تحت خطر الأمراض بسبب المواد الغذائية الفاسدة والمسرطنة وجبال النفايات المتراكمة، ناهيك بأن اكثر من 25٪ من أبناء الوطن يعيشون تحت خط الفقر المقذع.
ليس سراً على أحد بأن البلاد تمر بظروف صعبة وغاية في التعقيد، تتمثل بعدم الاستقرار السياسي، إذ اصبح النظام الاقتصادي الوطني يعيش حالة الانكسار والانهيار، في محاولة لابقاء لبنان مستهلكاً لنفايات الدول من مواد غذائية ومواد أولية، ومن البضائع الفاسدة التي تجتاح أسواقنا، كما أن عمليات الاختلاس الضخمة وأساليب الخداع والسرقة وتجارة المخدرات وغسيل الأموال وعمليات التهريب المنظمة وانتشار ظاهرة الرشوة والبيروقراطية المنتشرة كلها ألقت بالبلاد في حضيض قعر معدلات الفساد في العالم. كما أن تغذية العنف السياسي وإذكاء الصراع الطائفي ألحق الضرر بعملية بناء دولة فاعلة وحديثة. وبالرغم من إعلان الحرب على الفساد من خلال المؤتمرات التي تعقد والاهتمام الحكومي بمحاربة الفساد، إلا أنها لم تحقق شيئا، وذلك لأن التدخل السياسي والحزبي في عمل اللجان المختصة لمحاربة الفساد كان كفيلا في حماية الفاسدين من قبل هذه الأحزاب والكتل السياسية المهيمنة وحال دون تحقيق أي تقدم في هذا الملف، كما أن ضعف منظمات المجتمع المدني والتي وقفت صامتة أمام تفشي ظاهرة الفساد المستشرية في مؤسسات الدولة ساهم في إنعاش هذه الآفة الاجتماعية.
ما يحز في النفس أنه كان يظهر علينا وزراء خلال كل تلك السنوات وهم لا يفقهون شيئا في الإدارة والتخطيط ورسم السياسات الإنمائية، بل يتطفلون على الناس بشعارات وألفاظ لا معنى لها وبوعود لا تتحقق على أن لبنان سيكون من أفضل بلدان المنطقة اقتصاديا وتجاريا وذلك من دون أن يأخذوا بمحمل الجد تحذيرات البنك الدولي وخبراء الاقتصاد من حالة الإفلاس التي قد تتعرض لها البلاد، فلبنان بلد الزراعة بات يستورد كل شيء، أما الصناعة فلم يبق منها سوى الاسم وقوائم رواتب بأسماء موظفيها إن بقيت معامل أو شركات، أما السياحة فلم يبق منها إلى هياكل فنادق في جبال جرداء.
إن تراكم الأزمات الداخلية وتهميش القوى السياسية والمدنية، وتدمير الطبقة الوسطى الحاملة لمشاريع التغيير، وتحرير الاقتصاد ووضعه في سياق يتحكم فيه أصحاب القرار السياسي، أسّس إلى تفكك اجتماعي – اقتصادي، وساهم في تعميم وتعميق ثقافة الفساد، وفقدان الحكومات لحواضنها الاجتماعية. وقد بات واضحاً أن إشكالية التحولات التي يشهدها المجتمع اللبناني تقع على مستويين، أولاً: أزمة بنيوية سياسية واقتصادية واجتماعية داخلية تتعلق بنمط الدولة وتركيبتها وعلاقاتها الخارجية. ثانياً: عوامل خارجيةـ دوليةـ وإقليمية، متداخلة. هذه العوامل شكّلت مدخلاً لنشوء أزمة سياسية واقتصادية واجتماعية عامة ومركّبة، ووفرت إمكانية توالد مظاهر لا أخلاقية والتي يتم توظيفها وتعويمها من قبل دول وجمهوريات دفعت وتدفع بقوة إلى انهيار المجتمع والدولة.
وفي وقت كانت تدّعي الأحزاب الشمولية، أنها تحافظ على الاستقرار والسلم والأمان الأهلي، كان يتم العمل على تحويل الوطن إلى غنيمة. فالحاكم وبطانته السلطوية من أحزاب وميليشيات، يتعاملون مع أبناء المجتمع كونهم رعاعاً لا يستحقون الديمقراطية. وكذلك فإنهم يهيمنون على المجتمع، ويحتكرون السلطة بلغة الدستور وأدوات السلطة المركبة. ومع تراجع مفاهيم الوطنية كانت الهويات والانتماءات الطائفية والعرقية والدينية والعشائرية والمذهبية والعائلية، تعيد تجديد ذاتها سوسيولوجياً وسياسياً. وفي وقت كانت تتراكم الحداثة من حولنا، كان مجتمعنا يعاني من الجمود وتراكم التخلف الذي كان من أسباب انفجار ظواهر العنف الإجتماعي. ولأن أنظمة التسلط تحتكر السيطرة على العقل واللسان، فإن سلاطينها يعتبرون أنفسهم المصدر الشرعي والقانوني الوحيد للتفكير والكلام، أما التابعون والمقهورون، فإن الصمت والطاعة يُفرضان عليهم بوسائل القوة القهرية.
وبنظرة أولية على واقع لبنان والبلدان العربية، نلاحظ أنها سوف تواجه تحديات عدة، أولها: بغض النظر عن إرادة المواطنين، يتم توظيف العنف المموّل من الخارج في إعادة تشكيل المنطقة العربية جغرافياً وديمغرافياً. إذ أن تحطيم البنية الوطنية يتم في سياق تمكين الانغلاق على الخصوصيات المناطقية والقبلية والطائفية. فتحلل الدولة القائمة، إضافة إلى كونه سيفضي إلى ولادة كيانات تزيد من تقطيع المنطقة عمودياً، فإنه سيدفع بصراع العصبيات المتلبّس لبوساً سياسياً عصبوياً متخلفاً إلى ذروته. ثانياً: صعود نزعات التطرف الديني والطائفي. ثالثاً: استمرار الأنظمة السياسية المسيطرة في نهجها المناقض لحقوق المواطنة والديمقراطية والحداثة. رابعاً ضحالة المستوى الثقافي والموضوعية السياسية، هذا في وقت تهيمن النزعة الأحادية عليه.
إن ترويض الإنسان وإخضاعه يبدأ من قبض الحكّام على حاجات المواطن الأساسية، وتحويله إلى كائن مشوه ومسلوب الإرادة. وهذا يدل على أن معاناة الشعوب العربية، هي نتيجة تدخلات واحتلالات خارجية، وأيضاً نتيجة إخفاقات كبرى يتحمل مسؤوليتها أنظمة تسلّطية فشلت في بناء مشروع قومي عربي تنموي ديمقراطي وكلا العاملين تربطهما علاقة عضوية. وأما المخرج فإنه يبدأ من: التحرر من سطوة النزعة الأحادية، وبناء الذات العربية الحضارية والمدنية الحداثية والديمقراطية في سياق المحافظة على التمايز والاختلاف، والعمل على وضع الأسس اللازمة لبناء مشروع قومي، عربي، تنموي، ديمقراطي، يعيد الاعتبار إلى قيم المواطنة والحرية والكرامة والعدالة الإجتماعية، والتخلص من سيطرة الجمود والتخلف والتبعية والارتهان، وذلك عبر تمكين فكر علمي نقدي يستند إلى العقلانية السياسية والموضوعية التي تتخلص من عقدة الخارج مع وجوب مواجهة التدخلات الدولية في الشؤون الداخلية. إذاً كيف ستتعاطى الحكومة اللبنانية مع هذا «التسونامي» الزاحف الينا؟.. لا أحد يعلم.. ولكن كل ما نعرفه انه ليس لديها أي استراتيجية او خطط واعدة في هذا الخصوص!!.
الصورة قاتمة.. والاخطار كبيرة.. ولكن هذا هو حال المنطقة بأسرها.. ومن الصعب ان يكون لبنان استثناء» رغم كل اطرائنا ومديحنا للسياسات المالية والنقدية ونموذجه الفريد بالعمل المصرفي والمالي، ولكن هذا النموذج قد ينهار وتنهار معه مفاهيم الدولة في أي وقت ولن يصمد طويلا، في حال لم تبادر الأطراف السياسية والحزبية عن كف ايديها عن اختلاس المال العام والبدء ببناء المؤسسات العامة واعادة اطلاق مشروع الدولة من خلال تشريع القوانين وسنها واعادة جمهورية لبنان الى خريطتها العربية!!.
صحيفة اللواء اللبنانية