الخسائر الروسية.. وتداعياتها على الأسد

ثمة سبب قوي يدفع إلى خسارة فلاديمير بوتين في الحرب التي يخوضها نيابة عن بشار الأسد. وهو أن الرئيس الروسي لا يريد وقوع خسائر، حتى في المشاركة الروسية المحدودة في الصراع الدائر في شرق أوكرانيا، لأنه آلة دعايته القوية لا يمكنها إخفاء مثل هذه الخسائر. وقد أقرت روسيا يوم الثلاثاء الماضي بوقوع أول ضحية عسكرية لها في سوريا: «فاديم كوستينكو»، وهو أخصائي فني يعمل في القوات الجوية ويبلغ من العمر 19 عاماً. وبالطبع، لم تتطوع وزارة الدفاع الروسية، التي أنكرت تماماً كافة التقارير السابقة عن وقوع خسائر، بهذه المعلومة، وإنما كشف «فريق استخبارات الصراع»، وهو منظمة تضم متطوعين يديرها المدوّن «روسلان ليفيف» الذي يشرف على شبكات اجتماعية لتعقب الأنشطة الروسية، أن «كوستينكو» مات في 24 أكتوبر الجاري.

واستخدم فريق «ليفيف» الطريقة نفسها التي ينتهجها لتعقب تواجد الجيش الروسي في أوكرانيا وخسائر القوات هناك، وهي التنقيب في شبكات التواصل الاجتماعي عن حسابات جنود الوحدات التي يعتقد أو يُقال إنها مشاركة في المعارك، وحسابات أصدقائهم. وبعد اكتشاف رثاء لـ«كوستينكو»، اتصل الفريق بأقاربه وأصدقائه لتأكيد وفاته، واكتشفوا أن ممثلاً للوحدة التابع لها «كوستينكو» أخبر أسرته بأنه قد قتل نفسه.

وبدورها أكدت وزارة الدفاع الروسية يوم الثلاثاء أن البيانات في هاتف «كوستينكو» المحمول تشير إلى أنه كان قد انفصل عن خطيبته. ولكن والدي «كوستينكو» لم يصدقا هذا الأمر، وذكرا أنه كان مبتهجاً عندما تحدث إليهما في اليوم الذي مات فيه، وأن علاقته بخطيبته جيدة، وكانا يخططان للزواج. ويشير صمت وزارة الدفاع ورواية الانتحار المشكوك فيها إلى أن المسؤولين في الجيش الروسي مترددون في الاعتراف بأية خسائر في الأرواح.

وقد كان من المفترض أن تصبح العملية العسكرية في سوريا منخفضة التكاليف. وهي في الحقيقة كذلك من عدة أوجه. وفي الأسبوع الماضي، تعاونت «موسكو تايمز» مع مؤسسة الأبحاث «آي أتش أس جين» من أجل التوصل إلى تقدير لتكلفة التدخل العسكري. وتوصلت إلى أن روسيا تنفق نحو 710 آلاف دولار يومياً على هجمات الطيران، و750 ألف دولار يومياً على الذخائر، و440 ألف دولار يومياً لمساندة قواتها في سوريا، و200 ألف دولار للحفاظ على تواجدها البحري، و250 ألف دولار على الدعم اللوجستي والمخابرات والاتصالات. ويمكن أن يصل إجمالي ما تنفقه إلى نحو أربعة ملايين دولار يومياً. وهو مبلغ صغير مقارنة بميزانية الدفاع الروسية التي تقدر بنحو 40 مليار دولار. ويعني ذلك أن عاماً من الحرب بهذه الوتيرة يمكن أن يكلف ما يساوي الـ1,25 مليار دولار التي أنفقتها وسائل الإعلام المملوكة للحكومة الروسية خلال العام الجاري، بينما تفيد الدعاية بدرجة أكبر. أما على صعيد التكلفة في الأرواح البشرية، فالأمر يبدو مختلفاً، إذ أكد مركز «ليفادا»، وهو إحدى مؤسسات استطلاع الرأي المستقلة القليلة المتبقية في روسيا، أنه في بداية أكتوبر، بعد أن بدأت العملية العسكرية في سوريا، أيّد 72 في المئة من الروس فكرة قصف تنظيم «داعش». بيد أن 46 في المئة ساورهم القلق من أن تتورط روسيا في سوريا، كما وقع للاتحاد السوفييتي السابق في أفغانستان أثناء ثمانينيات القرن الماضي.

وأثناء الحملة العسكرية في أوكرانيا، كان تكتيك الكرملين هو مواجهة أي ذكر لوقوع خسائر في الأرواح بتصريحات رفض شديدة تؤكد على أن روسيا لم تقر أبداً بأن لديها قوات نظامية في شرق أوكرانيا، ولذا لم يتم قتل أي جنود. وربما كان ذلك مجدياً لأن الخسائر كانت بالعشرات وفي أسوأ الأحوال بالمئات، ويمكن إسكات الأسر بتهديد ووعيد، وإلغاء الحسابات على شبكات التواصل، وإخفاء القبور الجديدة.ولكن في الحالة السورية، فإن إخفاء حتى عدد ضئيل من الخسائر أمر مستحيل، لأن روسيا تدخلت رسمياً، ولن يكون من المقبول أن تخفق في تكريم جنودها الذين يقتلون في المعركة. ولن تجدي قصص أخرى عن حالات انتحار. وقد أنكر بوتين بشدة وجود أية خطط لنشر قوات برية في سوريا، وعلى رغم أن تجربة أوكرانيا تقلل من قيمة هذا الإنكار، إلا أنه ربما يعني ما يقول هذه المرة. وبالطبع، فهذه أنباء سيئة لبشار الأسد. ولضمان استمرار المساندة الروسية لابد له من تحقيق انتصارات على الأرض.

صحيفة الواشنطن بوست

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى