الدراما السورية تحول الحرب إلى أزمة عائلية!
دمشق ــ خاص بوابة الشرق الأوسط الجديدة :
عرضت المحطات السورية، التي لم تُغلق بعد، مجموعة أعمال درامية اختلفت الآراء حولها. وفي واحد من الأعمال، التي عرضتها ثلاث قنوات دفعة واحدة، وفي وقت متشابه تقريبا، وجد المشاهدون السوريون رسالة مهمة تحملها بعض الحلقات. رغم أن كل من شاهد هذا المسلسل منذ بدء عرضه في مطلع شهر الصوم قرأه بصورة مختلفة عن الآخر.
ومسلسل “أزمة عائلية” هذا يتناول طبيعة الحياة الاجتماعية خلال الحرب بطريقة كوميدية تنقل يوميات عائلة تعيش ضمن ظروف الأزمة، تتلاقى في تفاصيلها مع ما يعيشه السوري في حياته بشكل عام ، ويجري التصوير في مكان واحد هو البيت ((سيت كوم))، وهو ما برع فيه مخرج العمل هشام شربتجي منذ أطلق عمله الكوميدي الأول من هذا النوع ((عيلة 5 نجوم )) في أواسط تسعينات القرن الماضي.
ومنذ جرى بث الحلقات الأولى لمسلسل “أزمة عائلية” انتقدت بعض المواقع المعارضة هذا المسلسل، ورأت فيه عودة غير موفقة للمخرج الذي انقطع عن العمل خلال الأزمة “ولا سيما أنه صرح في لقاءاته الأخيرة، أنه سيعمل على إعادة الكوميديا إلى مسارها الصحيح. ولكن مسلسل “أزمة عائلية” يبدو أسوأ مسلسل في مسيرة المخرج، وأنه من أكثر المسلسلات تناغماً مع لغة الخطاب الإعلامي “للنظام السوري”، إذ يظهر كدعاية لفكر النظام حتى في كلمات أغنية شارة البداية، كما قال موقع من تلك المواقع..
تدور احداث مسلسل “أزمة عائلية” الذي كتبه شادي كيوان في بيت أسرة يقع أفرادها في مواقف متناقضة بسبب تفكير وثقافة كل منهم، فالأب مثلًا يجد المفاهيم تغيرت وسط صعوبات الحياة الطارئة، والزوجة الغيورة التي لا تريد سوى الهجرة خارج البلاد، والأبناء الذين يطبقون تجاربهم العلمية في المنزل مما يتسبب في الكثير من المشاكل..
في الحلقتين التاسعة عشرة والعشرين تظهر إلى السطح أحداث جديدة تدخل بسخرية في عمق الحرب السورية فتحولها إلى (أزمة عائلية) ، فيقع الزوج جهاد (رشيد عساف) بالصدفة على رأسه، فيفقد الذاكرة، وعند معاينة الطبيب له يكتشف أن فقدان الذاكرة هو لخمس سنوات فقط وهي المدة التي كانت قطعتها الحرب (!!)، وعلى هذا الأساس تبدأ المفارقات الكوميدية عندما يصادف هذا الأب قذائف الهاون ويسمه باسم داعش، فتحاول الأسرة إعادة الذاكرة إليه، وهي ذاكرة الحرب بطبيعة الحال !
الزوج مدرس تربية قومية، وهو بعثي مؤيد لوجهة نظر النظام ، وقد دخل انتخابات حزبية أوصلته إلى رئيس شعبة في حزب البعث، وعند محاولة الأسرة إعادة الذاكرة إليه يستغرب مايحكونه عن الارهاب والدمار والخراب والمشردين والضحايا والخلافات مع المعارضة، بل ويستغرب أيضا تفاصيل مواقفه خلال الأزمة، ويبدو أمام الكاميرا وكأنه يريد أن يقول إنه أخطأ في تلك المواقف وخاصة في تقدير أهداف المعارضة التي كان يتفق معها قبل الحرب في محاربة الفساد وتحديث البلاد، ويستغرب كيف يصفها بالخيانة واللاوطنية وهو الذي يعرف تاريخها الوطني، ويتشارك معه ..
في الحلقة العشرون ، تبرز مفاجأة جديدة، حيث يرن جرس الهاتف لنكتشف أن ابن عمه المعارض على الهاتف وقد عاد إلى البلاد ، فخافت الزوجة من أن يرد الزوج على الهاتف وقد كانا على درجة كبيرة من التصادم معه في تفسير الأحداث وفي تبادل الاتهامات .. إلا أن الزوج يرد بحميمية وقد نسي كل شيء ويدعو ابن عمه إلى البيت ، لكن ابن عمه يرسل أبيه الذي يمثّل قمة التناقض وقمة المعارضة، ويكون بدوره مصابا بالزهايمر، وهذا يعني أن ذاكرته عن الحرب ضاعت!!..
وهنا تبدأ المصارحة، لنكتشف أن كلا منهما يستغرب اتهام الآخر ، أي أن الإثنين كانا على خطأ وأصبحا على غاية التفاهم على الماضي وعلى تاريخهما المشترك الذي يجمعهما في التضحية التي قدماها في حرب تشرين وأغنية ((لولو لولو لي..الله محييك يابلادي)) الشهيرة، التي ما أن يتذكرها الاثنان حتى يبادران إلى دبكة العز والفرح.. إلخ .
مفارقات كوميدية على غاية الأهمية تحدث بين هاتين الشخصيتين، وفي مدلولهما السياسي مسار واضح يدعو إلى تناسي الحرب لأن كلا منهما كان على خطأ ، وأن التناقض بينهما أدى إلى ظهور الارهاب وإلى نجاح المؤامرة
هكذا ببساطة ، تضيق المساحة بين المتصارعين ويتقلص نهر الدم الكبير وتعود المياه إلى مجاريها لأن نسيان الماضي هو الطريق إلى عودة الوئام إلى العائلة التي وقعت في أزمة ، فهل تنجح الكوميديا السورية في وقف الحرب وهو مالم تنجح في وقفها كل الطرق التي استخدمت حتى الآن ؟!
هو سؤال افتراضي، كما هي أحداث المسلسل الذي سوف لن يرق للمعارضة في الخارج أبدا !!