الدستور المصري: تزويج الفتاة بسن التاسعة والمساواة بما “لا يخل بشرع الله” (صبري عبد الحفيظ حسنين)
صبري عبد الحفيظ حسنين
تسيطر حالة من السخط والغضب على أوساط القوى السياسية و المهتمين بحقوق المرأة والطفل، بسبب صياغة بعض مواد الدستور المصري الجديد، بما يهدر حقوق المرأة والطفل المصريين، ومنها عدم تحقيق المساواة الكاملة بين الجنسين، وإقتراح خفض سن تزويح الفتاة إلى تسعة أعوام، وليس 18 سنة كما هو معمول به في القانون الحالي.
وفقاً لنص المادة 36 من باب الحقوق والحريات في مشروع الدستور المصري الجديد، والخاصة بتحقيق المساواة بين الرجل والمرأة: "تلتزم الدولة باتخاذ كافة التدابير التشريعية والتنفيذية لترسيخ مبدأ مساواة المرأة مع الرجل فى مجالات الحياة السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية وسائر المجالات الأخرى ـ بما لا يخل بأحكام الشريعة الإسلامية ـ وتوفر الدولة خدمات الأمومة والطفولة بالمجان وتكفل للمرأة الحماية والرعاية الاجتماعية والاقتصادية والصحية وحق الإرث وتضمن التوفيق بين واجباتها نحو الأسرة وعملها فى المجتمع".
إنتهاك صارخ
وأثارت عبارة "بما لا يخل بأحكام الشريعة الإسلامية"، غضب القوى السياسية والمهتمين بحقوق المرأة، وأصدر 100 حزب سياسي ومنظمة نسائية وحقوقية بياناً إنتقدوا فيه صياغة هذه المادة من الدستور، ومتهمين التيار الإسلامي بمحاولة الإنقضاض على حقوق المرأة، وقالت الأحزاب والمنظمات المائة في بيان لها تلقت "إيلاف" نسخة منه، إنهم لا يعترضون على شرع الله ولا على أحكام الشريعة الإسلامية، إنما ينصب إعتراضهم على عدم وجود تفسير واحد يجمع عليه علماء الدين لأحكام الشريعة مما يفتح الأبواب لتعددية التفسيرات التى تحد من الحقوق والحريات.
وهذه المادة تتعارض وبشكل أكيد مع التزامات مصر بالمواثيق والتعهدات الدولية، وهو أمر له العديد من التداعيات على المستوى السياسي والاقتصادي فى المدى القريب والبعيد، وأشاروا إلى أن تخبُط اللجنة التأسيسية الواضح من اقتراحاتها المهينة لحقوق وكرامة النساء إنما يعود بشكل أساسي لعوار التمثيل بها، وهيمنة فصيل سياسي بعينه بها لا يعتد بهذه الحقوق والحريات ويقبل المساومة على حقوق النساء، معتبرين أن صياغة هذه المادة تحتوى على الكثير من الالتفاف حول ترسيخ مبدأ المواطنة الكاملة والمساواة بين الجنسين دون تمييز.
وأكدوا أن المكتسبات والحقوق التى حصلت عليها نساء مصر عبر العصور قد اكتسبت صفة "الحق الدستورى غير القابل للتراجع عنه"، ويجب احترام نضالات النساء المصريات التاريخية والمعاصرة من أجل اكتساب حقوقهن الطبيعية فى مساواة غير مجتزئة وعلى أساس من المواطنة الكاملة.
ودعوا "كل المعنيين بدولة المواطنة والمساواة أمام القانون من أعضاء وعضوات اللجنة التأسيسية إلى الانسحاب فورا من اللجنة إذا ما تم التصويت بالإيجاب على المادة (36) واعتبروها انتهاكا صارخا لقيم العدل والمساواة، واستئناف ثورتنا من أجل الكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية التى يستحقها جموع المصريين والمصريات بدون تمييز".
دستور ذكوري
ومن جانبها، قالت الناشطة الحقوقية، نهاد أبو القمصان، رئيس المركز المصري للدفاع عن حقوق المرأة، إن صياغة هذه المادة تجعل هناك مرجعتين في الدستور، موضحة أن المرجعية الأولى تتمثل في "مبادئ الشريعة الإسلامية" المنصوص عليها في المادة الثانية، أما المرجعية الثانية فهي "أحكام الشريعة الإسلامية" المنصوص عليها في هذه المادة.
وأضافت لـ"إيلاف" أن صياغة هذه المادة تسلب المرأة الكثير من الحقوق الحريات، التي ناضلت من أجلها عشرات السنين، ومنها ما تنص عليه المادة 14 وهي "حرية التنقل والإقامة والهجرة مكفولة؛ فلا يجوز إبعاد أي مواطن عن إقليم الدولة، أو منعه من مغادرته أو العودة إليها، ولا أن تفرض عليه الإقامة الجبرية، إلا بأمر قضائي مسبب"، لاسيما أن هناك من يرى عدم أحقية المرأة في استخراج جواز السفر أو الإنتقال من مكان لآخر مهما علت مكانتها إلا بإذن ولي الأمر، سواء الأب أو الأخ الأكبر أو الزوج، كما أن تلك الصياغة قد تحرم الطفلة من الحق في التعليم، في ظل وجود أراء فقهية من بعض الفقهاء تؤكد أن ولي الأمر له كامل الولاية على الأنثي حتى الزواج، وله الحق في تزويجها متي تحقق البلوغ، حتى ولو كانت في سن التاسعة مثلاً، وهو ما يخالف المواثيق الدولية، ويخصم من حقوق المرأة المصرية.
واعتبرت أن الدستور الجديد دستور ذكوري أو للرجال فقط، مشيرة إلى أن عبارة "بما لا يخل بأحكام الشريعة الإسلامية"، لم ترد إلا فيما يخص حقوق المرأة فقط، وأرجعت ذلك إلى أن سيطرة التيارات الإسلامية المتشددة على اللجنة التأسيسية.
تزويج الفتاة في التاسعة
لم يقف الغضب عند هذا الحد، بل تواصل بسبب مقترح الشيخ محمد سعد الازهري عضو سلفي باللجنة التأسيسية، ينص على خفض سن زواج الفتاة إلى تسع سنوات، بدلاً من 18 عاماً، وقال الأزهري لـ"إيلاف" أن مقترحه جاء ليكون الدستور شاملاً للتنوع الثقافي في الجتمع المصري، لاسيما أن بعض المجتمعات في الريف والصعيد والبدوية تزوج الفتاة في سن صغيرة، ولا تعد بالقوانين أو الدساتير".
مشيراً إلى أن المجتمعات الغربية تسمح للفتاة بممارسة الجنس في سن الرابعة عشر، ولكن يجب عدم الإقتداء بها، بل يجب الحفاظ على الهوية المصرية الإسلامية، التي تسمح بتزويج الفتاة متى بلغت، وتحققت لديها شروط الزواج، وأبدى إندهاشه من الهجوم عليه، لأنه لم يحدد سن التاسعة، بل قال متى بلغت نضجت عاطفياً وصارت قادرة على تحمل المسؤولية، منوهاً بأن القانون المصري الحالي يحدد سن الزواج ب18 عاماً في حين أن الفتيات في الصعيد والريف تتزوج في سن أٌقل من ذلك، من خلال التحايل على القانون بالتزوير أو تأجيل توثيق الزواج.
انتقاص حقوق الطفل
وهاجهت السفيرة مرفت التلاوي الأمين العام للمجلس القومي للمرأة، مقترح الشيخ سعد الأزهري، متسائلة: "كيف لطفلة لم يكتمل نموها الجسمانى أو العقلي أن تكون زوجة وأم وأن تكون أسرة وهي لاتعرف المعنى السامي للأسرة ومقوماتها؟ وأضافت في تصريحات لها: "بدلاً من التفكير فى كيفية مساعدة الفتيات فى الحصول على تعليم كاف يساعدهن على مواجهة صعوبات الحياة بالاضافة إلى العمل على بناء شخصيتهن ليستطيعن فيما بعد تكوين أسرة على أسس سليمة، أو العمل على إصدار قرارات للتخلص من الفقر المنتشر بين النساء، نفكر في تزويجهن في تلك السن المبكرة".
ولفتت إلى أن مصر وقعت على اتفاقية حقوق الطفل والتى تنص فى المادة الأولى على أن سن الطفولة 18 عامًا، منتقدة ظهور عدد من الافكار والاراء لشخصيات مختلفة في وسائل الاعلام تدعى العلم والمعرفة تحاول من خلالها الانتقاص من حقوق الطفل والمرأة و التى تم الحصول عليها بعد نزاع طويل مع المجتمع ومع الافكار والعادات والتقاليد البالية المنتشرة بين أفراده.
نسف المواثيق الدولية
فيما قالت الدكتورة فوزية حسين الناشطة بجمعية أطفالنا، لـ"إيلاف" إن هذا المقترح ينسف كل المواثيق والمعاهدات التي وقت عليها مصر بشأن حماية حقوق الطفل، مشيرة إلى أنه يتنافي مع كافة الأعراف والتقاليد المصرية التي تمنع زواج البنت في سن صغيرة، ونبهت إلى أن العادات التي كانت تبيح تزويج الفتاة في سن الرابعة عشرة لم تعد موجودة في المجتمع المصري حالياً، وذلك نتيجة جهود مضنية لعشرات السنين من جانب منظمات حقوق الطفل والناشطين في هذا المجال، ولا يمكن العودة بمصر إلى مئات السنين للوراء.
ونبهت إلى أن أحد في مصر لن يسمح بتمرير مثل تلك المقترحات لأنها تمثل إعتداء على حقوق الطفل.
موقع إيلاف الإلكتروني