شرفات

الرجل الوحيد الذي يخرق منع التجول!

لم يكن منعُ التجول في مدن العالم سوى ظاهرة مفزعة للناس، أقل ما يقال عنها أنها يمكن أن تؤدي إلى إطلاق النار على من يخرق هذا الحظر، وهذه الفكرة عن منع التجول مرتبطة عندنا في سورية بأيام الاحتلال الفرنسي وبالانقلابات العسكرية، ومن لايصدق بإمكانه العودة إلى البلاغات الأولى التي أصدرتها جميع الانقلابات في سورية بدءا من انقلاب حسني الزعيم عام 1949 وصولا إلى أواسط الستينات من القرن الماضي، ففي كل مرحلة كان قرار منع التجول ضمن البلاغات الأولى التي تصدر عن قادة الانقلاب.

وعندما تم إصدار قرار منع التجول في المدن والقرى السورية كإجراء احترازي لمواجهة انتشار وباء كورونا في نيسان الماضي، تذكر كثيرون ممن قرؤوا عن تاريخ سورية تلك الأيام ماذا تعني عبارة “منع التجول”، وبطبيعة الحال هناك فرق بين الأمس واليوم.

أنا واحد ممن يعرفون معنى “منع التجول” نتيجة قراءتي لتاريخ سورية، ومعايشتي المرحلة الأخيرة من عدم الاستقرار في الانقلابات، ولذلك أثارني الفضول لأعرف كيف تبدو شوارع المدينة أثناء المنع، فصرت أرقب من شرفة منزلي هذه الشوارع، فأراها أكثر هدوءاً ، وأكثر نظافة، بل إن هواءها صار أكثر إنعاشاً !

من الذي خرق منع التجول في مدينة دمشق؟!

وهذا السؤال لا أقصد فيه أولئك الذين استثنوا من المنع، فدمشق ليلاً لا يوجد فيها أحد سوى حواجز المنع، وقد تجولت بأحيائها بهويتي الصحفية، فلم أعثر على أي رجل يخرق قرار منع التجول فعلاً !

قبل أيام اكتشفت أن رجلا وحيداً يخرق حظر التجول ولا يهتم بأحد !

ما أن تصبح الساعة الواحدة والنصف بعد منتصف الليل حتى يجمع هذا الرجل أشياءه، ويخرج من بيته إلى الحارات متحدياً قرار الحظر، وما أن يصل إلى أول حارة من الحارات، حتى يقوم بإخراج هذه الأشياء ويبدأ بإيقاظ الناس من خلال طبلة متوسطة الحجم وعصا يضرب فيها على الطبلة، وينادي الناس النائمين  لتناول سحورهم :

ــ يا نايم وحّد الدايم.. قوموا على سحوركم  (إجا) رمضان يزوركم!

استيقظت على الصوت، وسألت نفسي :

ــ “هل نسي هذا الرجل أن أجهزة الخليوي، الموجودة بحوذة جميع الناس، أضحت قادرة على إيقاظ صاحبها في أي وقت يريد، ومن خلال موسيقى جميلة تنقر أذنه إلى أن ينهض من فراشه ؟! ”

ضحكت، وقررت العودة إلى النوم .

كان سهلاً أن أعود إلى النوم لولا الأسئلة التي فرضها عليّ هذا الرجل الذي خرق حظر التجول لإيقاظ الصائمين إلى سحورهم، لكني تقلبت قليلاً في فراشي، ثم نمت، وفي نومي، رأيت رجلاً من نوع آخر يخرق منع التجول في كل الشوارع والحارات العربية، واسمه أحمد فؤاد نجم، ويسعى إلى إيقاظنا، مع توأمه الشيخ إمام .. كنت أسمع عزفاً على العود، وصوتاً يدخل إلى القلوب بسلاسة :

“إصحا يا نايم كفاية

وحدوه يا مؤمنين

يالّي صاحيين في البيوت

يالّي كاشفين المكان

يالّي سامعين السكوت

يالّي واعيين للزمان

استعدوا للقيام

واقبلوا مني الكلام

الأمة نايمة من سنين

وحدوه يا مؤمنين”

 

ـــــــــــــــــــــــــــ

ملاحظة :  تصرفت في النص فاستبدلت كلمة (مصر) ب (الأمة).

بوابة الشرق الاوسط الجديدة 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى