الرهان على الفوضى (فاروق يوسف)

 

فاروق يوسف


حين غزت الولايات المتحدة وحلفاؤها العراق عام 2003 صار مصطلح "الفوضى الخلاقة" شائع الاستعمال بين المدافعين عن المشروع الاميركي، الذي لا ينكر القائمون عليه أنه بدأ بارتكاب جريمة، وقع ضحيتها بلد مستقل، ذو سيادة وشعب سلبت الحروب والحصار الدولي الذي فرض عليه لأكثر من عقد من الزمان القدر الكبير من كرامته.
كان ذلك المصطلح عذرا أقبح من ذنب، كما يقال.
لقد أطلق المحتل يد سلطته المؤقتة التي أقامها، الامر الذي وفر غطاء لرئيس تلك السلطة في أن يقرر ويفعل ما يشاء، في بلد عطلت فيه القوانين، فكانت سلطة الاحتلال هي مصدر التشريع الوحيد.
كان حل الجيش العراقي واجهزة الامن والشرطة الخطوة الاولى في تحطيم كل ما بقي من بنى الدولة العراقية. في الوقت ذاته غضت سلطة الاحتلال النظر عن وجود الميليشيات الحزبية التي كانت تجري استعداداتها القتالية واستعراضاتها العسكرية علنا.
بل أن تلك السلطة هي التي سمحت لقيادة فيلق بدر وهي ميليشيا تابعة للمجلس الاسلامي الاعلى وكان مقره في طهران بادخال قواتها بعد ان فتحت الحدود لها.
وإذا ما كانت ايران قد اضطلعت بدور ممول السلاح لكل تلك الفرق القتالية فان سلطة الاحتلال كانت قد رسمت خارطة طريق تتم من خلالها الاستفادة في توسيع دائرة الفوضى الخلاقة التي بدأت بنهب المتاحف وحرق المكتبات العامة ومراكز الفنون.
ولترسيخ الفوضى قاعدة في حياة العراقيين السياسية والاقتصادية والاجتماعية فقد سنت سلطة الاحتلال دستورا، تقع معظم فقراته في مسافة افتراضية، يمكنها دائما أن تكون محل خلاف بين العراقيين.
كان ذلك الدستور مشروع تمزيق وليس قانونا وطنيا عادلا يلجأ إليه المختلفون، ويقبلون بشرعته برضا. وهكذا تكون سلطة الاحتلال قد زرعت بذرة الفوضى لتثمر شجرتها مزيدا من الخراب والاستباحة والقتل والفساد المالي وانهيار القيم وصولا إلى توقع قيام حرب أهلية في أي وقت، حرب قد تكون أقسى من تلك الحرب التي شهدها العراق في عامي 2006 و2007، وكان هدفها الاساس استعمال الميليشيات التابعة لايران في التصدي للمقاومة العراقية والقضاء عليها.
وقياسا على أحوال العراق بعد أكثر من عشر سنوات على احتلاله فان مشروع الفوضى كان ناجحا بالنسبة للقوى التي خططت له. فالعراق اليوم لا يختلف في شيء عن الصومال، سوى أنه بلد ثري، صار يستعمل ثروته في التعجيل في انتحاره الذاتي.
نجاح الفوضى في العراق شجع دوائر القرار في الغرب على تبنيها ونشرها في المنطقة، اينما وجدت إلى ذلك سبيلا أو منفذا.
فها هي ليبيا التي لم يسقط نظامها السابق إلا بعد أن تدخل حلف الناتو تمضي في الفوضى إلى أقصاها، من غير أن يظهر أي مؤشر على امكانية قيام سلطة مركزية يتجمع حولها الليبيون. وفي مصر كاد حكم الاخوان المسنود اميركيا أن يؤدي بالبلد إلى التهلكة من خلال حرب أهلية بين القوى المتخاصمة. في تونس لا يبدو أن الامور أفضل مما كانت عليه في مصر.
وها هي حلقات الفوضى تكتمل في سوريا، فبعد أكثر من سنتين على حرب طاحنة، كان طرفاها الجيش الحكومي وقوات المعارضة التي تسندها اطراف عديدة في الغرب في العالم العربي، ها هي حرب جانبية تنشب بين قوات المعارضة والفرق القتالية التي حيء بها من الخارج بذريعة الجهاد، وهي في حقيقتها فرق مرتزقة تابعة لشركات أمنية يشرف عليها مقاولون غربيون.
خلاصة القول ان الرهان على الفوضى لا يزال قائما.

فمن خلالها يكون التدمير الذاتي هو الصيغة الاكثر فاعلية في اقامة المزيد من الدول الفاشلة التي لا يسعها سوى أن تستجدي مساعدة الغرب لمنع خطر اختفائها من الخارطة.


ميدل ايست أونلاين

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى