الرواية تقرع باب القارئ السوري
خاص :
لم تطفئ الحرب رغبة القارئ السوري للرواية، ومما يقال في هذا الشأن أن الروايات المشهورة تباع بكثافة في سورية، وربما تجدها على الأرصفة مصورة بطريقة ((الريزو)) لتلبية الطلب عليها وبأسعار مناسبة، ومن هذه النماذج روايات يوسف زيدان وخاصة رواية ((عزازيل))، وروايات أحلام مستغانمي وخاصة رواية ((ذاكرة الجسد)) التي حولتها الدراما السورية إلى مسلسل، وروايات باولو كويلهو وخاصة رواية ((الخيميائي)) التي تحولت أيضا إلى مسلسل ..
وتتجه العيون إلى وزارة الثقافة السورية، على صعيد خطط النشر، فماذا تقدم على هذا الصعيد ؟
السؤال برز مع تولي الشاعر توفيق أحمد، وهو مذيع تلفزيوني وإذاعي أيضا، تولى إدارة الهيئة العامة للكتاب في سورية قبل شهور إثر اكتشاف ارتكابات منهجية في أداء سلفه الكاتب جهاد بكفلوني، فربما سيكون الشعر هاجسه الأساسي على صعيد النشر، كما توقع البعض، لكن المواجهة الأولى مع الصحافة كانت حول رواية ((المياه العائمة)) للكاتب الراحل صميم الشريف..
وآخر ما صدر عن الهيئة العامة للكتاب هو رواية: ((سليمان الحلبي : العين والمخرز))، التي تتحدث عن وقائع الحملة الفرنسية على مصر عام 1798 وما رافقها من أحداث جسام على مصر وسوريا انتهى بفشل الحملة، وذلك من خلال سيرة المواطن السوري الذي يعيش في مصر سليمان الحلبي ,. وقد نشر خبر هذه الرواية على صفحة مؤلفها الكاتب داود أبو شقرة، ولم تتبادله الصحف بعد، و نشر الكاتب مقطعا كبيرا من الرواية نقتطف منه:
(( ضمَّ نابوليون سترته الطويلة وزرَّرها في عجلةٍ، واعتدل في وقفته، ثمَّ أصدرَ أمره في إعلان النفير، فبدأ جنود الجيش ينهضون ويتجمعون في صفوف متراصَّة تنتظرُ أمره بالسير إلى القاهرة.
اجتمع قادةُ الجيش حول الجنرال مرَّةً أخرى حين كانت الشمس تطلع على الوادي من ناحية الشرق وترسل أشعَّتها إليه. كانت قمم الأهرام تفيض ضياءً لأنها أوَّل من تلقى ضوء الشمس، فبدت وسط المناظر التي غرقت في الضباب، كمشاعل من النور تتحدَّى كلَّ ما حولها من قوى الظلام.
كان قادة نابوليون وجنوده وقوفاً يتأملون الأهرام التي تقف على حدود هذا الوادي الأخضر كحارسٍ قويِّ المِراس، والضباب ينحسر شيئاً فشيئاً، والنور ينحدر على سفوح الأهرام متئداً بثقةٍ ليغمر كلَّ شيء حوله.
أُخذ الفرنسيون بجلالِ المشهد وروعته، فتقدَّم نابوليون خطوتين في اتجاه الأهرام واستدار على عقبيه ليواجه الأهرام والضباط والجنود في وقتٍ واحد، ثمَّ رفع يده مشيراً إلى الأهرام، وقال بلهجةٍ خطابية، وصوتٍ حاول أن يبثَّهُ كلَّ ما تمتلئُ به نفسه من حماسٍ وقوَّة: – أيُّها الجنود والضباط، سيروا إلى الأمام، واعلموا أنَّ أربعين قرنا من الزمان تنظر إليكم من فوق قمم هذه الأهرام.
بدأتِ القواتُ تتحرَّكُ ببطءٍ باتجاهِ الضفَّةِ الغربيةِ لنهرِ النيلِ مقابل القاهرة.
فجأةً، رُوِّعَ نابوليون والمقربون منه عندما سمعوا صوت طائرٍ يضرب بجناحيه أغصان شجرة الجمَّيز بعنفٍ وقوةٍ، ثمَّ يحلِّقُ عالياً، ويدور حول المكان وهو يصدرُ أصواتاً غريبةً، ويضرب بجناحيه بسرعة، ثمَّ يهوي من بين مخالبة ثعبانٌ أٌثْخِنَ بالجراح،استقرَّ أمام نابوليون على الأرض، فأسرع بعض الضباط ببنادقهم يريدون قتله، فصاح نابوليون بهم:
– دعوه… لا تقتلوه.
ابتعد الضبَّاطُ، ومضى الثعبانُ وجراحُهُ تنزفُ الدماءَ حتَّى اختفى بينَ الأعشابِ الطويلةِ التي تحفُّ بالطريق )).
في الوقت نفسه ، نشرت صحيفة الوطن السورية قراءة مهمة لرواية «العطش» للكاتب جهاد جديد، اشتغل عليها الناقد والروائي المعروف إسماعيل مروة ، الذي سأل عن المغزى من اختيار هذا العنوان، أي ((العطش)) فوجد بعد الانتهاء من قراءتها أن العطش سمة ملازمة لكل ما في الرواية، فالأبطال عطاش للحياة والحرية والحب، وقال عنها :
((تمور الرواية بالأحداث الحقيقية، وتغطي تقلبات منطقة الساحل في تلك الفترة، وسجل انتصار التوجه الوطني آنذاك بعدم الانفصال عن الدولة السورية، ولاسترجاع هذه المسألة اليوم دورها الكبير، وقد استطاع المؤلف أن يفضح الطبقة الإقطاعية وممارساتها من أجل السلطة والوصول إليها غير آبهة بعرف أو تقليد، دافعة إلى ذلك أبناءها وبناتها والزوجات، ومن ثم أعطى الحركات السياسية وتأسيس الأحزاب مثل القومي والبعث والشيوعي مكانة، فكانت الشخصيات الفاعلة من المنطقة في هذه الأحزاب حاضرة من زكي الأرسوزي إلى وهيب الفاضل، كما عقد المؤلف بذكاء صلات الوصل بين أبناء المنطقة والسلطة المركزية في دمشق وحلب، سواء في إظهار امتداد شبكة الفساد وزراعة الحشيش، أو في الأحزاب السياسية الجديدة وصلاتها، ومن خلال هذه الإلمامة السياسية يحار القارئ أيهما كان أسبق في الرواية؟ وأيهما هو الأساس الحياة الاجتماعية أم الحياة السياسية؟!)) .