السعوديّة تُعلن الحرب التجاريّة على تركيا في الذّكرى الثانية لاغتِيال خاشقجي وأنقرة تتحضّر للرّد؟ لماذا قد تخرج سورية الرّابح الأكبر من هذه الأزمة؟
أعلنت السلطات السعودية “حربًا اقتصاديّةً” ضد تركيا في تزامنٍ مع مُرور الذّكرى الثّانية لاغتِيال الصحافي جمال خاشقجي، تمثّلت في دعوة السيّد عجلان العجلان، رئيس الغرف التجاريّة السعوديّة الأحد إلى المُقاطعة الشّاملة للبضائع والمنتوجات التركيّة، وعلى كُل المُستويات، بِدأً من الاستِيراد ومُرورًا بالاستِثمار وانتهاءً بالسّياحة.
العلاقات السياسيّة والتجاريّة السعوديّة عاشت عصرها الذّهبي عندما التقت مصالح البلدين في الأزمة السوريّة، وتحشيد الجماعات المسلّحة وتمويلها على أمل الإطاحة بالحُكم السوري، ولكنّها دخلت مرحلةً من الفُتور، تحوّل إلى شيءٍ من القَطيعة، مُنذ تورّط فريق من المُخابرات السعوديّة في جريمة اغتيال الخاشقجي بطريقةٍ بشعةٍ في مقرّ القنصليّة السعوديّة في إسطنبول في تشرين أوّل (أكتوبر) عام 2018.
هُناك عدّة اسباب أدّت إلى تفجير الاحتِقان الذي خيّم بشكلٍ تدريجيٍّ على العُلاقات بين البَلدين في السّنوات الخمس الماضية تحديدًا:
الأوّل: التّنافس بين قيادتيّ البلدين على زعامة العالم الإسلامي، والسنّي منه على وجه التّحديد، وحقّقت تركيا نجاحات كبيرة في هذا الصّدد عندما كوّنت تكتّلًا سياسيًّا إسلاميًّا برئاسة غير عربيّة يَضُم الباكستان وماليزيا واندونيسيا وإيران وقطر يستثني المملكة العربيّة السعوديّة، ويُمهّد لإقامة منظّمة إسلاميّة مُوازِية لمنظّمة التعاون الإسلامي التي يُوجد مقرّها في جدّة، وتُسيطر السعوديّة على جميع قراراتها.
الثاني: استخدام السلطات التركيّة لورقة اغتيال الصحافي الخاشقجي بشكلٍ فاعلٍ لهزّ هيبة المملكة، وتشويه صُورتها على الصّعيدين الإسلاميّ والعالميّ، وكان لافتًا نشرها سِلسلةً مِن الحقائق الجديدة عن عمليّة الاغتيال قبل أيّامٍ من ضِمنها صُور للبِئر والفرن اللّذين استُخدِما لتقطيع وحرق جثّة المغدور في مقرّ إقامة القنصل السعودي.
الثالث: تحوّل إسطنبول إلى مقرٍّ لحركات سعوديّة ومِصريّة وخليجيّة مُعارضة، والسّماح لها بإطلاق محطّات تلفزة ومنصّات لوسائل التّواصل الاجتماعي، وتبادلت السّلطتان السعوديّة والتركيّة إغلاق المواقع الإعلاميّة في الاتّجاهين.
الحرب التجاريّة السعوديّة ضدّ تركيا وبضائِعها لم تأخُذ الطّابع الرسميّ لتجنّب أيّ عقبات يُمكن فرضها من قِبَل منظّمة التجارة العالميّة، ولهذا يُعتَقد أنّه جرى الإيحاء للسيّد العجلان الذي يترأس الغُرف التجاريّة لمُطالبة التجّار أعضاء هذه الغُرف بعدم استِيراد البضائع التركيّة.
هذه الخطوة السعوديّة ستترك آثارًا سلبيّةً على الاقتِصاد التركيّ في هذا التّوقيت الذي يُواجه فيه صُعوبات جمّة، خاصّةً إذا عرفنا أنّ حجم التّبادل التجاريّ بين البلدين وصل إلى 5 مِليار دولار سنويًّا، وأنّ تركيا تحتل المرتبة الأولى بالنّسبة إلى السيّاح السّعوديين (الأثرياء)، والمُستثمرين السّعوديين في مجالات العِقار، وتحتل السعوديّة المرتبة 15 في قائمة أكبر أسواق الصّادرات التركيّة، وبلغت هذه الصّادرات من السجّاد والصّلب والكيماويّات والحُبوب حواليّ مِليار دولار مُنذ بِداية هذا العام.
أحد رجال الأعمال السعوديين قال لوكالة “رويترز” العالمية إن حاويات استوردها من تركيا ظلّت في الجمارك لمُدّة ثلاثة أشهر قبل الإفراج عنها، وأشار إلى أنّ مسؤولي الجمارك نصَحوه بعدم الاستِيراد من تركيا إذا أرادَ إفراجًا سَريعًا لبضائِعه.
مُعظم التوقّعات تُؤكّد أنّ الحرب الإعلاميّة بين السعوديّة وتركيا ستتصاعد في الأشهر المُقبلة، خاصّةً أنّ السعوديّة بدأت تتقارب من السّلطات السوريّة، وأصدرت أخيرًا قرارًا بالسّماح للبضائع والشّاحنات السوريّة بدُخول معابر المملكة دون أيّ تأخير، بينما أفادت تقارير أُخرى أنّها، أيّ السعوديّة، تدعم حاليًّا الحركات الكُرديّة الانفِصاليّة المُعادية لتركيا في شِمال سورية.
أحد المُقرّبين من الحُكومة السوريّة قال في تغريدةٍ له على “تويتر” إنّه لا يَستبعِد إقدام السّلطات السعوديّة على فتح سِفارتها في دِمشق في غُضون أسابيع، وتكوين تحالف سعودي إماراتي مِصري سوري ضدّ تركيا وحُلفائها، وخاصّةً حركة الإخوان المُسلمين.
الحُكومة التركيّة التي تُحارب حاليًّا على ثلاثِ جبهات في وقتٍ واحد، في سورية ليبيا وأخيرًا في الحرب الأذربيجانيّة الأرمنيّة، بالقِتال إلى جانِب الأولى، ستَجِد نفسها في ظرفٍ صعب في مُواجهة هذا الرّباعي الذي تقوده السعوديّة، ولكن من اللّافت أن وقوفها في الخندق المُقابل له، أيّ التّحالف الرّباعي، يُعزِّز مكانتها وشعبيّتها في العالم الإسلامي، وبعض شُعوب هذه الدّول الأربع خاصّةً، الأمر الذي يُشَكِّل قلقًا في الوقتِ الرّاهن على الأقل.
صحيفة رأي اليوم الألكترونية