السيسي والأسد.. دلالات الاتصال المفاجئ
اتصال السيسي، ومعه اتصالا العاهل الأردني ورئيس الإمارات، بالرئيس الأسد، قد يحمل معه عدداً من المفاجآت، أهمها احتمالات حدوث لقاء سوري – مصري، ربما بمشاركة أردنية وإماراتية، قد يسبق لقاء الأسد وإردوغان.
على الرغم من إطاحته الرئيس “الإخواني” محمد مرسي (في تموز/يوليو 2013)، الذي قطع علاقات بلاده بسوريا، فإن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لم يفكّر طوال الأعوام الماضية في إعادة هذه العلاقات، كما لم يفكّر في إجراء أي اتصال بدمشق، أياً يكن مستوى هذا الاتصال، على الرغم من أن الإرهاب الذي تعرّضت له مصر لا يتباين عمّا تعرضت له سوريا، ومصدره واحد!
وجاء الزلزال الذي ضرب جنوبي تركيا وشمالي سوريا ليشجع الرئيس السيسي على إجراء مثل هذا الاتصال. وقد سبقه إليه من الزعماء العرب الرئيس الجزائري وسلطان عُمان والعاهل الأردني ورئيس الإمارات وملك البحرين والرئيس الفلسطيني.
وفي الوقت الذي عدّ البعض اتصال السيسي بالرئيس الأسد بمنزلة “الزلزال الحقيقي” في علاقات القاهرة بدمشق، فقد تهرّب آخرون من هذا الوصف، وقالوا إنه “مبالغ فيه وسابق لأوانه”.
في الوقت الذي يكتسب الاتصال أهمية إضافية، بسبب توقيته الزمني الذي يصادف الفتور، وأحياناً التوتر، في العلاقات بين القاهرة والرياض، فقد يكون هذا التوتر أحد الأسباب التي دفعت السيسي إلى إجراء هذا الاتصال، ليبعث عبر ذلك رسائله المباشرة إلى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان. ويعرف الجميع أنه، ومعه أمير قطر الشيخ تميم، الحليفان الاستراتيجيان للرئيس إردوغان، المعترض الأكبر على عودة سوريا إلى الجامعة العربية.
في جميع الحالات، وأياً يكن السبب الذي دفع الرئيس السيسي إلى إجراء مثل هذا الاتصال وإعلانه استعداد بلاده لتقديم كل أنواع الدعم إلى المتضررين من الزلزال، فقد بات واضحاً أن المنطقة مقبلة على مرحلة جديدة، في محورها الرئيس سوريا. وقد يفسّر ذلك إعلان وزير الخارجية الروسي لافروف قبل أسبوعين، خلال استقباله نظيره المصري سامح شكري في موسكو، إشراك إيران في مساعي الوساطة الروسية بين الرئيسين التركي إردوغان والسوري بشار الأسد.
وسبق للرئيس السيسي أن التقى عدوه اللدود إردوغان في 18 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، خلال افتتاح مباريات كأس العالم في الدوحة، وكان ذلك بوساطة من أمير قطر الشيخ تميم. في الوقت نفسه، تحدّثت المعلومات آنذاك عن شروط مصرية أكّدها السيسي، أهمها انسحاب القوات التركية من الدول العربية، وهي سوريا والعراق وليبيا والصومال، إضافة إلى المطلب التقليدي، وهو وضع حد نهائي لدعم أنقرة لحركة الإخوان المسلمين في مصر ولكل التنظيمات الموالية لها في المنطقة.
اتصال السيسي، ومعه اتصال كل من العاهل الأردني ورئيس الإمارات بالرئيس الأسد، أمر قد يحمل معه عدداً من المفاجآت، أهمها احتمالات لقاء سوري – مصري، ربما بمشاركة أردنية وإماراتية، قد يسبق لقاء الأسد والرئيس إردوغان، وهو اللقاء الذي يسعى من أجله الرئيس بوتين منذ فترة طويلة، بطلب من الرئيس إردوغان، وهو ما اعترف به شخصياً، ربما لكسب ود حكام أبو ظبي والقاهرة والرياض الذين صالحهم إردوغان العام الماضي، ومعهم حكّام “تل أبيب”، التي بادرت بدورها إلى كسب ود الأتراك، بحيث أرسلت فريقاً عاجلاً للمساهمة في عمليات البحث والإنقاذ، مع المعلومات التي تتحدث عن اتصالات مستمرة لترتيب زيارة الرئيس إردوغان لـ”إسرائيل”، بعدما وصفت أنقرة عملية القدس المحتلة التي أودت بحياة 7 إسرائيليين بأنها “إرهابية”.
في الوقت نفسه، تتوقّع مصادر سياسية أن يتأثر الرئيس إردوغان باتصال السيسي، ويفاجئ الجميع ويتصل بالرئيس الأسد، الذي قد يتأخر بدوره في مصالحة إردوغان في حال ضمان استمرار الحوار مع السيسي، ومعه العاهل الأردني الملك عبد الله، ومن قبلهما سلطان عُمان هيثم بن طارق آل سعيد ورئيس دولة الإمارات محمد بن زايد.
ويبقى الرهان الأكثر إثارة قائماً على احتمالات أن يقوم الرئيس السيسي، إن كان جاداً وصادقاً في مفاجأته بالاتصال بالأسد، بزيارة دمشق، ليفتح بذلك صفحة مثيرة بقوة 7.8 درجات وفق مقياس ريختر، وهي قوة الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا، وكان في طريقه إلى البحر الميّت، حيث الأردن وفلسطين المحتلة!
وفي انتظار مثل هذه الزيارة، بات واضحاً أن الرئيس السيسي وضع مجمل المعطيات الداخلية (التضامن مع فلسطين وسوريا) والإقليمية والدولية في الاعتبار، قبل أن يتصل بالرئيس الأسد، وهو يعرف أن هذا الاتصال في هذا التوقيت سيُزعج واشنطن وحلفاءها في الغرب والمنطقة، كما أنه سيُسعد موسكو وحلفاءها، ما دامت ضد المشاريع والخطط الأميركية في مجمل عناصرها الخفية والمعلَنة.
وإلى أن نرى رد الفعل السعودي على موقف السيسي هذا، فقد يشكل اتصاله الهاتفي، إن لم يأتِ من فراغ، منعطفاً تاريخياً قد يغيّر كثيراً من الأمور، حتى إن لم أكن أنا شخصياً من المتفائلين بذلك، بسبب الحالة الجينية لعمالة أنظمة المنطقة وتآمرها، وآخر مثال على ذلك ما تعرضت له سوريا، وما زالت، منذ 12 عاماً.
وآخر مثال على ذلك أيضاً تهرُّب دول المنطقة العربية من إرسال فرق الإنقاذ، والاكتفاء بإرسال المساعدات الإنسانية إلى سوريا، في الوقت الذي جاءت إلى تركيا فرق من 58 دولة من أصل 93 دولة أبلغت أنقرة استعدادها لإرسال الفرق والمساعدات، كأنّ الذين لقوا مصرعهم في تركيا بشر، وفي سوريا شيء آخر!
عسى أن أكون أنا المخطئ، وسأكون سعيداً بذلك. ويكفي أن تنتهي معاناة الشعب السوري، ومعها مآسي كل شعوب المنطقة، وفي مقدمتها الشعب الفلسطيني الذي يدافع عن الشرف والكرامة للأمة التي غدرت به مراراً وتكراراً.
الميادين نت