السيناريست السوري كاتب أم مستكتب؟
ينظر أغلب متابعي الدراما السورية إلى المسلسلات التي عرضت في الحقبة الممتدة بين عامي 2005 و2010، على أنّها إنتاجات ذهبية قدّمت أعمالاً مُضيئة من طراز «ليس سراباً» (نص فادي قوشقجي/ إخراج المُثنّى صبح)، و «غزلان في غابة الذّئاب» (نص فؤاد حميرة/ إخراج رشا شربتجي)، و «الانتظار» (نصّ حسن سامي يوسف ونجيب نصير/ إخراج الليث حجّو)، و «طالع الفضّة» (نص عبّاس النوري وعنود خالد/ إخراج سيف الدين سبيعي) وغيرها الكثير.
كانت الدراما السورية، آنذاك، حاضرةً في السوق الرمضانيّة من دون قيدٍ أو شرط، وكانت عمليّة إنتاج الشريط الدرامي تمرّ بسيرورتها الطبيعيّة من دون أن يخضع الكتاب لإملاءات المنتجين وشروط الفضائيّات التي صارت، اليوم، الآمر الناهي وصاحبة الكلمة الفصل في رسم محدّدات العمل الدرامي وفرز منتجاته إلى ممنوعٍ ومرغوب. ذلك ما يعطي إجابة واضحة على التساؤلات التي تبحث في أسباب اندثار النص النوعي السوري وتغييبه لمصلحة نصوصٍ لا ترتبط بملامح مجتمعٍ زوّد كتابه بموارد حكائية مكّنتهم من إنجاز نصوصٍ استثنائيّة، من دون الحاجة إلى الانخراط في دوّامة أعمال مسبقة الطّلب.
وضمن هذا السّياق، يجد السيناريست السوري نفسه حائراً أمام جدوى مشروعه الفكريّ والثقافيّ الذي تساقط على أعتاب أسواق التصريف العربية، والتعميم هنا يستوجب شيئاً من التّعسف لحضور الاستثناءات التي يشكّل مسلسل «بانتظار الياسمين» واحداً من تباشيرها. فالمسلسل الذي تجري عمليّات تصويره اليوم ليكون جاهزاً على قائمة عرض شهر الصوم للعام الجاري، يتناول ملابسات الجرح السوري انطلاقاً من حكاية مهجّرين كثر، جمعتهم حديقة عامّة تحاكي وطناً بحاله.
وعن استقلاليّة المشروع وابتعاده عن الأجندات المسبقة يقول مؤلّف العمل أسامة كوكش: «تجاوز شرط السوق يشبه رغبتنا في السير تحت المطر من دون أن يصيبنا البلل، فالسيناريست اليوم مطالَبٌ بمراعاة شرطيّ الرقابة، وشرطيّ السوق، وشرطيّ الإمكانات الإنتاجية أثناء إنجاز النص. هذه الضوابط صارت حاضرةً بصورةٍ تلقائية في ذهنيّة أيّ كاتب محترف». ويضيف صاحب «حائرات»: «هنا يصير الإبداع مرهوناً بقدرة الكاتب على الوصول إلى حالةٍ توافقيّة بين إرضاء الشروط سابقة الذكر وبين تقديم حكايةٍ تنصف ذائقته الشّخصية وذائقة الجمهورِ في آن معاً». ويختتم كوكش: «الدراما السورية تواجه صعوباتٍ ستحدّ من إبداعها موسماً إثر موسم إلا في ما ندر من أعمال قد تستطيع كسر عنق الزجاجة».
وعن فكرة الاستكتاب المسبق ومدى مشروعيّته يقول السيناريست عثمان جحا: «علينا ألّا ننفصل عن الواقع، فكتابة السيناريو مهنة كسائر المهن، نحن نعتاش من كتابة المسلسلات، هذه صناعة مرتبطة قولاً واحداً بسوق التّصريف، وأعني هنا الفضائيات التي إن أحجمت عن عرض نمطٍ من الأعمال فإنّ شركات الإنتاج لن تعود راغبةٍ في شراء نصوص تنتمي إلى هذا النّمط، وهنا يجد الكاتب نفسه أمام مفترقِ طرق، فإمّا أن يسبح ضد التّيار ويدخل في رهانٍ يكون خاسراً في غالب الاحتمالات، أو أن يستجيب إلى شرط السوق بصورةٍ تضمن له شيئاً من الاستقرار المادي الذي يؤمّن، بدوره، ظروفاً أكثر موضوعية لإنجازٍ عملٍ يعيد السيناريست إلى سكّة مشروعه الفكري والثقافيّ إن وُجد».
يبدو أنّ كلّ علل الدراما السّورية تصبّ في خانةِ البحث عن ترياق واحدٍ يتمثّل في ضرورة وجود إعلام محلي خاص يتمتع بحرية كافية تمكنّه من تصريف الدراما المحلية بصورة تشجّع على إعادة إنتاج نصوصٍ تحاكي الواقع السوري، وتلامس مفرداته.
صحيفة السفير اللبنانية