الشاعر أمجد ناصر

 

رحل الشاعر الصديق أمجد ناصر، الذي ينطبق عليه هذا التصريح البسيط لدون كيشوت، في لحظة مرارة عبثية، “أنا لا أعدكم بالنصر… وإنما باستمرار الحرب”.

حين رأيت أمجد يجلس في كرسي العاجز، وقد شوّه المرض وجه الفهد الأسمر وأطفأ عينيه اللامعتين قلت مع المتنبي:

إذا ما تأملت الزمان وصرفه      تيقنت أن الموت نوع من القتل

كان صعباً تخيل أمجد كعاصفة متصدعة مكومة أمام باب الحياة، وفي عربة يجرها عجز النشيد العالي .

كتب أمجد نصاً مودعاً قبل رحيله بشهرين، وفيه مرارة السؤال وقوة الروح. نص كبرياء حزين يشبه ، بصريا ، مقعدا فارغا في حديقة خريف ملون… نص باذخ تتراوح مصادره بين بصريات الصحراء، حيث نشأ طفلاً،وأضواء مدينة في الضباب حيث أقام نافذة الكتابة ، مرسلاً نصه عبرأربعين سنة منذ الحرف الأول : “الكلام فضة ، والشعرذهب ، والنساء رنين المعدنين معاً، والقصائد لغتنا من الآن فصاعداً…

إذن… لنبدأ الحياة ، دونما استعارات أو تهويل ، ولننظر إلى الأشياء الحية بيننا بكثيرمن التبجيل ، وليكن النشيد احتفالاً بالرضى والمسرات المقتصرة على الرعاة البسطاء ، أولئك الذين تبعثرت ألحانهم ، ورائحة آباطهم بين الحطب والهشيم السائب ، ومضوا إلى غير رجعة”.

هذا الاعلان القصير… أحد مكونات ديوانه الأول “مديح لمقهى آخر” عام 1979.

عندما بدا يلوح له خط النهاية. والموت أرسل إنذاره بوضوح كتب له أمجد مستغرباً:

“ما أنت؟ ما مشكلتك معي؟ إن كان لك دين عندي، أو مشكلة شخصية، كأن أكون خطفت “هيلين” الشقراء من حضنك ، ومرغت شرفك في الوحل ، مع أني لا أذكر شيئاً كهذا…

لا تسترد دينك من الذين يمرون في هذه الدنيا، كما تمر أنفاس الرعاة في قصب الناي”.

………………

الان وقد أصبح أمجد بعيداً جداً، لا تطاله سوى الذكريات معه وعنه… أفتح الصفحات الأولى من دواوينه لأرى نوع الزمن الذي تشير إليه أهداءاته لي:

في ديوانه الأول “مديح لمقهى آخر” : “إلى الصديق عادل… هي ذي قصائدنا: ورق ناشف في الحلق، وصرخة مديدة في البرية، إنه أيضاً زماننا المضاد للصقر والوعل وسائر الكواسر الجميلة.

آه…إننا ننقرض.

آه… إننا لأشقياء.

بيروت 25-1-1980

وفي الديوان الثاني “منذ جلعاد كان يصعد الجبل” كتب لي: الصديق عادل… منذ زيارتي لك (في دمشق) تغيرت أمور كثيرة ، منها نظرتي إلى الشعر. هذه خطوة جديدة للبدوي أمجد ناصر”.

بيروت 26-5-1988

لأمجد قصائد تشبه سربا من طيورمالك الحزين، في موسم الرحيل ، يزخرف في طيرانه البطيء ، كخط من غيوم بيضاء ، فوق بحرأزرق ، نحو وطن ما … في البعيد البعيد.

ولكن هناك قصيدته ذات الدوي الهالك :

سنمضي اذن..

ايها الوطن المختوم بالشمع الأحمر

والمسجى بين ازهار الدفلى…

الى مثواك الأخير

راية ممزقة

ورؤوسا منكسة

بلا حماسة او حزن…ستمشي الجنازة

وطبل واحد يقرع…قلبي .

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى