الشيخ فتحي صافي كسب الرهان: أسعد الناس في حياته، وأحزنهم في مماته !
دمشق ــ خاص بوابة الشرق الأوسط الجديدة
ما أن توفي الشيخ فتحي صافي يوم الجمعة الماضي في الثاني من أيار 2019 ، حتى اشتعلت صفحات مواقع التواصل الاجتماعي بالحديث عنه والترحم عليه، بل وانتشرت مئات صور السيلفي معه، وكأنه أحد نجوم المجتمع السوري.
كيف حصد هذا الشيخ إعجاب الناس به في حياته وفي وفاته في وقت اسودت فيه صور رجال الدين وارتبط بالعمامة السوداء والقتل والحرب على بلادنا وذلك إثر الصور البشاعة التي وقعت باسم الدين الإسلامي على يد فصائل إسلامية أشعلت الحروب لتنشئ خلافة وسلطانا وشرق أوسط جديدا على غير نمط أهله!
وإذا كان عدد المعجبين أو المتابعين لمحاضرات الشيخ فتحي يعد بالملايين أحيانا، فإن الجلوس معه والإنصات إلى عفوية حديثه عن الدين والحياة والتسامح أجمل بكثير من تلك المقاطع التي تناوبت وسائل التواصل على عرضها .
يحمل الشيخ فتحي الصافي معطيات الشهرة من كونه أولا ابن حارة شعبية، وابن الحارة الشعبية يأخذ من حارته ويعطيها وعندما يفعل ذلك بنجاح تجلّه الحارة وتعطيه وتقدمه للحارات الأخرى على أنه نموذج يحتذى، وكان الشيخ فتحي نموذجا يحتذى فعلا، فقد حكى لكل الناس أنه كان ضالا فتاب، وفتح لهم طريقا جميلا للتوبة لأنه زينه بالصدق والصراحة وتفاصيل الحياة ومفارقاتها!
وعلى ذلك يثير في هذا المفتاح الحكائي للشهرة مئات الألوف من المتابعين للتعرف على قصة الشيخ الذي لم يكن شيخا، بل كان (مغرقاً في الموبقات) على حد تعبير رجال الدين، وإذا به يتوب، ثم يبدأ حياة جديدة في تحصيل العلوم الشرعية، ويصل إلى درجة تقديم البحوث فيها :
- الأحكام الشرعية في الأحوال الشخصية.
- يا أسفي على الموالد كيف أصبحت.
- سبيل الهدى والعمل.
- رسالة الموتى.
لكن كل ذلك لم يكن ليفعل الكثير أمام طريقته الجذابة في تقديم الدرس الديني، وأنا لم أتردد في التعرف عليه والإنصات لحديثه والتمعن في أسلوبه، بل والتقصي عن سر اندفاع الناس لسماع حديثه، فوجدت أن كثيرا من غير المتدينين يأتون خصيصا لسماع دروسه، وربما يستغرب البعض إذا أخبرتهم أن ثمة من حضر حديثه من غير المسلمين .
يقدم الشيخ فتحي صافي لغة الحارة في الدرس الديني، ويدخل إلى أعماق الروح من خلال كشف أغوار النفس البشرية، ويطرح النكات دون أن يبالغ، ودون أن يخطئ في المنهج الشرعي، وإذا ما دفعته الطرفة إلى الشطط، فإنه يستخدم الشطط لتمتين الفكرة التي يريدها .
والشيخ فتحي، من مواليد دمشق عام 1954 وكان إمامَ وخطيبَ جامع الحنابلة بدمشق، كذلك درس العلوم الشرعية في جامع كفرسوسة الكبير بدمشق ، ثم تنقل في عشرات المساجد التي أخذت تتدافع على دعوته لالقاء الدروس فيها .
وفي دروسه الأخيرة كان ينوه أثناء محاضراته إلى تعبه من العلاج الكيماوي، ويعتذر من الناس، حتى أنه في أحد المرات ألقى محاضرة بعد جرعة الكيماوي مباشرة، وكان يكاسر الألم بابتسامته وطرائفه فيكسره ليبتسم الكثيرون في حديثه الذي يدخل النفس كالسحر..
في جنازته في جامع العثمان ، كسب الشيخ فتحي صافي رهانا جميلاً هو أن الدين والنصيحة يمكن أن يكونا طريقا جميلاً سهلا في عصر الإرهاب الديني الذي تنامى في العالم، وشكل محطة على غاية الأهمية في تاريخ مساجد دمشق .