الصراع على مستقبل إيران مدخل إلى انتخابات البرلمان و«مجلس الخبراء»
تقف إيران على أعتاب استحقاقَيْن مهمَّين خلال الشهر الجاري: انتخابات «مجلس الخبراء» وانتخابات البرلمان، اللذان يجريان في يوم واحد هو السادس والعشرين من شباط 2016. ستؤثر النتيجة بعمق على مستقبل إيران خلال العقد المقبل، لأنها ستقرَّر صورة النظام السياسي الإيراني وتوازناته المرتَقَبة. من المحتمل أن يختار «مجلس الخبراء» المقبل أثناء فترة ولايته البالغة ثماني سنوات خليفة للمرشد الحالي السيد علي خامنئي (76 عاماً)، أما في انتخابات البرلمان فيدور الصراع الفعلي على فرص روحاني في ترجمة نجاحاته النووية والتفاوضية إلى كتلة معتبرة داخل البرلمان. على ذلك ستبدأ معارك الرئيس الإيراني حسن روحاني الحقيقية هذا الشهر، ليس في مواجهة مفاوضيه النوويين في فيينا وجنيف، وإنما في مواجهة خصومه السياسيين في الداخل الإيراني.
ماذا سيتقرّر في يوم الانتخابات؟
يدور الصراع الفعلي في انتخابات البرلمان ذي الـ 290 مقعداً على فرص الرئيس حسن روحاني في ترجمة نجاحاته النووية والتفاوضية إلى حصة معتبرة من مقاعد البرلمان، بين مروحة من المؤيدين تضم الإصلاحيين والوسطيين وحتى البراغماتيين المحافظين، في مواجهة المعارضين من التيار المحافظ يريدون منعه من قطف ثمار ديبلوماسيته الخارجية داخلياً عبر تحجيم الكتلة البرلمانية المؤيدة له. في المقابل يتمحور الصراع في انتخابات «مجلس الخبراء» الذي يضمّ 88 عضواً من الفقهاء، على تحديد هوية مرشد الجمهورية المقبل الذي يحدّده المجلس وفقاً للدستور الإيراني في حال شغور المنصب. في الصراعين تصطف القوى السياسية ذاتها في مواجهة بعضها البعض، وكلا الطرفين يرغب في ترسيخ حضوره المؤسسي عبر حجز أكبر عدد ممكن من مقاعد المجلسين. وللتدليل على الأهمية المؤسسية للانتخابات المقبلة، يكفي استعراض ذلك الفارق الكبير بين صورة روحاني البراقة في الخارج بسبب نجاحاته التفاوضية وزياراته المرحَّب بها إلى العواصم الأوروبية، وبين قدراته المؤسساتية الفعلية المتقلّصة نسبياً ضمن توازنات القوى في النظام السياسي الإيراني الحالي ومؤسساته المتشابكة ومتقاطعة النفوذ.
«مجلس صيانة الدستور» ودوره المحوري
في هذه المعمعة الانتخابية حامية الوطيس يلعب «مجلس صيانة الدستور» دوراً كبيراً في تحديد نتيجة السباق الانتخابي قبل بدايته، لأنه بموجب الدستور الإيراني يفرز المرشحين ويقرّر صلاحيتهم لخوض الانتخابات من عدمها. يتكوّن المجلس من اثني عشر عضواً، نصفهم من الفقهاء يعيّنهم مباشرة مرشد الجمهورية السيد علي خامنئي، والنصف الآخر من الحقوقيين ينتخبهم البرلمان بعد تسميتهم من رئيس السلطة القضائية، المعيَّن بدوره مباشرة من المرشد. بعبارة واضحة، يتحكّم المرشد في تكوين المجلس الذي يترأسه آية الله أحمد جنتي المعروف بكونه أحد أقطاب المعسكر المحافظ. وبالتالي يُعَدُّ أداء المجلس في ممارسة صلاحياته، مؤشراً لا يخيب على رؤى وميول مرشد الجمهورية. استبعد «مجلس صيانة الدستور» ستة آلاف مرشح من الانتخابات المقبلة للمجلسين، ومن أصل ثلاثة آلاف مرشح إصلاحي تم استبعاد 99 في المئة منهم على ما تقول بعض المصادر. دفع ذلك الرئيس حسن روحاني للاحتجاج قائلاً: «إنها انتخابات بيت الأمة وليس بيت فصيل واحد.. الانتخابات يجب أن تعكس حقائق الأمة. إذا تمثل فصيل في الانتخابات ومنع الآخر، فلماذا نجري الانتخابات أصلاً؟». وزاد روحاني في نبرته الاعتراضية: «الأقليات الدينية التي تمثل ما بين عشرة آلاف إلى عشرين ألفاً لها مقاعد مضمونة في البرلمان، فلماذا نستبعِد فصيلاً تصل أعداده إلى ما فوق العشرة ملايين؟». من ناحيته دعم المرشد خيار استبعاد الإصلاحيين قائلاً: «قلت يمكن لمن يعارضون النظام أن يصوّتوا في الانتخابات، ولم أقل أن هؤلاء يجب أن يتمثلوا في البرلمان. لا يوجد في أي مكان في العالم بما في ذلك أميركا مَن يسمح لأناس يختلفون مع المؤسسة للنفاذ إلى مراكز اتخاذ القرار». وكان الشيخ هاشمي رفسنجاني رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام واسع الحيلة والدهاء، وأحد أركان النظام السياسي الإيراني المستعصية على الاختفاء، قد انخرط بدوره في المعمعة الانتخابية قبل أن تبدأ فعلياً، حين أعلن متخلياً عن حذره التقليدي إمكانية التحوُّل إلى «قيادة جماعية» لمنصب المرشد في حال خلوِّه.
تكتيكات روحاني وتحالفاته
زاد الانتخابات «مجلس الخبراء» سخونةً ترشُّحُ حجة الإسلام السيد حسن الخميني ـ حفيد مؤسس الجمهورية – والبالغ 43 عاماً والمتمتع بحيثية في أوساط الشباب الإيراني، والذي يحتفظ بعلاقات وثيقة مع معسكر رفسنجاني ـ روحاني. وكان واضحاً منذ تداول اسمه كمرشح محتمَل، أن المعسكر الأخير يستقوي في معركته الانتخابية بالاسم العائلي لحسن الخميني في مواجهة ممثلي التيار المحافظ المتشدّد. وراجت أقاويل مفادها أن الاسم العائلي ذاته سيرجح كفة السيد حسن ليصبح بعد انتخابه في المجلس عضواً في «القيادة الجماعية» التي ألمح رفسنجاني إليها في حال خلو منصب المرشد. ثم بلغت السخونة أوجها مع استبعاد «مجلس صيانة الدستور» لحفيد الخميني من الترشح بدعوى عدم الكفاءة كرجل دين، برغم شهادة رجال دين كبار لمصلحته كفقيه. ويُتوقع أن يعترض حسن الخميني شكلياً على استبعاده، على أن تصدر النتيجة النهائية بالسماح له أو حجبه عن الانتخابات من «مجلس صيانة الدستور» في الثلث الأول من الشهر الجاري. الأمر ذاته ينطبق على والد زوجته محمد موسوي بوجنوردي، الذي رفض طلب ترشحه لانتخابات «مجلس الخبراء» أيضاً. وفي الأحوال كلها، لا يتوقع أن يقوم حسن الخميني بإبداء اعتراض علني على استبعاده النهائي المحتمل من خوض الانتخابات، حيث يهمّه الحفاظ على موقعه المعنوي داخل النظام السياسي الإيراني باعتباره القيّم على المؤسسة الضخمة ذات الإمكانات المالية الواسعة التي تعتني بضريح جده الراحل، وكذلك على موقعه الشعبي في أوساط الشباب الإيرانيين الموالين للنظام.
على الأرجح سيدفع هاشمي رفسنجاني وحسن روحاني أيضاً بمرشحين «مستقلين» للنفاذ عبر «فلتر» «مجلس صيانة الدستور» إلى الانتخابات البرلمانية، على أن يتم الإعلان بعد إجازتهم من «مجلس صيانة الدستور» عن تحالفاتهم الانتخابية. كان هناك دوماً مستقلون في مختلف الانتخابات الإيرانية، لكن العدد سيكون ربما أكبر هذه المرة بسبب تكتيك المناورة بالصمت، الذي يعتمده روحاني ورفسنجاني. فقط عند إعلان قوائم المرشحين النهائية في الأسبوع المقبل، يمكن التثبت من الرواية القائلة بميل التيار المحافظ البراغماتي الذي يقوده رئيس البرلمان علي لاريجاني إلى معسكر رفسنجاني ـ روحاني، والتي ستعني في حال ثبوتها أن دائرة المشروعية التي يبتغيها روحاني تتسع في مقابل خصومه، حتى من قبل أن تبدأ الانتخابات. تدور حالياً تكهنات في إيران حول تفاوض يجري من وراء الكواليس حالياً، للسماح بعدد أكبر من المرشحين الإصلاحيين لخوض الانتخابات بغرض توسيع القاعدة التمثيلية للتحالف الحاكم من جهة، ولمنع «فتنة» جديدة محتمَلة تشبه ما جرى في الانتخابات الرئاسية العام 2009، من جهة أخرى. وهناك أيضاً تكهنات مقابلة مفادها أن عدداً محدوداً للغاية من تظلّمات الإصلاحيين سيقبل لخوض الانتخابات، بحيث لا تتغيّر الصورة العامة الراهنة التي تستبعد التيار الإصلاحي من التمثل في المجلسين المهمّين في نظام إيران السياسي.
الخطوة المقبلة
في الأسبوع المقبل، سينتهي البتّ في تظلّمات المرشحين وسيعلن عن القوائم الانتخابية النهائية لكلا المجلسين، ما يُؤذن بدخول الاستحقاق الانتخابي مرحلة السباق الفعلي. ساعتها سيكسر حاجز الصمت التكتيكي وتنطلق ألسنة رموز التيارات السياسية المتنافسة ومرشحيهم بالرؤى والشعارات والتحالفات، ووقتها ستظهر جوانب أخرى من المشهد الانتخابي الإيراني سنعود لها بالرصد والتحليل. ومثلما يقول شاعر إيران الكبير سعدي الشيرازي: «طالما ظل المرء صامتاً، فستبقى عيوبه ومزاياه مخفية».
صحيفة السفير اللبنانية