الصوامع لاالجوامع
في مرآة اللاجىء يوجد بيت مهدوم…
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حين تتوقف جيوش الحرب… تبدأ جيوش النهب.
وكما أن للحرب أسلحة من مختلف الأصناف والعيارات… فإن للسلم أدوات من مختلف أنواع الظلام والظالمين. وكما يفكر المحاربون، الذين يترعرعون صنفاً فريداً في حقارته، وتنمو كل أنواع غرائزهم في القتل والنهب والسبي… فطبيعي أن يكون هناك من يريد استمرار الحرب.
والأمر نفسه، فيما بعد الحرب، والتي يسمونها مرحلة إعادة الإعمار.
حتى الآن لم تنته الحرب، ولكن خطط إعادة الإعمار في الرؤوس الجشعة بدأت ترتسم. وربما بدأت الشركات، والأثرياء بتسجيل أسمائهم في لائحة المحظيين والمحظيات. وكذلك الدول التي لها أفضلية والدول المستبعدة.
وهنا نقع، نحن سكان هذه البلاد المدمّرة، في مقص المصالح العليا ما بعد الحرب. فالمعارضة لها دولها الراعية حرباً وسلماً، والرهان على ميزان الحرب كيف ستنتهي. إذا انتصر النظام الحاكم في سورية راحت حصة الخليج والسعودية ومحترفو هندسة الخراب. وإذا انتصرت المعارضة راحت حصة إيران والصين والروس ومن وقف إلى جانب النظام.
لفت نظري، وأنا استمع إلى المؤتمر الصحفي لوزير الدفاع الأمريكي، إجابته على سؤال: من سيدفع فاتورة القضاء على داعش في الرقة ودير الزور والفرات؟ وكان الجواب “وضوح الغموض” حيث سيدفع رعاة المعارضة التي ستستلم هذه المدن وتديرها. النظام (يفهم من ذلك أنه لا يعود)… وهذا يؤشر بوضوح إلى نوايا التقسيم، أو محاصصة الأمر الواقع. وطبعاً هذا يفسر الهدف من قصف التحالف لمواقع سورية في معبر “التنف” حيث اشتباك الإرادات على الطريق إلى دير الزور والرقة والحدود العراقية السورية.
إن فاتورة الأمريكي صريحة. وسيقبض ثمن كل طلقة، كما حدث في قصف قاعدة الشعيرات. حيث قبض ثمن 59 صاروخ توماهوك ( لماذا ليس 60 مثلاً) علماً بأنهم أطلقوا أقل من ذلك (23 صاروخاًوصلوا الهدف).
إعادة الإعمار بهذه الطريقة المعقدة، كما هي معقدة خريطة الهزيمة والنصر… تبدأ بأولويات غريبة. مثلاً: جرى التصريح حول إعادة إعمار الجامع الأموي في حلب ، أولاً، وبتكلفة تصل إلى 7 مليارليرة سورية. في حين أن خسائر حلب من المعامل والمصانع بمئات المليارات. ويستطيع مصلو الأموي الانتظار، وأداء الفرائض في جوامع لم تهدم، وبيوت ما زالت قيد التقوى. أما المصانع فهي التي تعيد تشغيل الحياة، والبيوت هي التي تؤوي الحياة.
إن ترتيب الأولويات تدخل ضمن لعبة الغش في مرحلة ما بعد الحرب، التي تقودها جيوش النهب. إن المدارس المدمرة التي خرجت من الخدمة نهائياً هي أولوية. وليس أسوار المتاحف، ويمكن رفع شعار: “الصوامع لا الجوامع”.
الأسوأ هو هذا الانبطاح أمام السلطة المعنوية للدين، التي تتوقع أن يضغط عليها لإجراء مراجعة حول مسؤوليتها وعجزها عن منع الإنتاج المتواصل للتطرف الذي رأيناه بطلاً دائماً لهذه الحرب،في قدرة مذهلة على التعبئة البشرية.
عشر ملايين نازح ولاجىء ومشرد…هؤلاء أولوية إعادة إعمار…فثمة إعمار البشر والنفوس والأرواح.
الحجر ينتظر
أما البشر…فإنهم شبعوا انتظاراً.