الصين وأمريكا.. حرب عالمية اقتصادية باردة
بعد حربين عالميتين كان القتال فيهما بالمدفعية، وفي الأخيرة التي وصل فيها الأمر إلى حد استخدام الأسلحة نووية، وقد أظهر تبخر الأصول العقارية والبشرية أن العملية إسرافًا لا طائل منه، وعلى الأرجح كانت نتيجة هذا الدرس فيما يبدو تخلي القوى العظمى الحديثة والقديمة عن فكرة الدخول في صراع مادي؛ من أجل شن حرب تجارية واقتصادية.
التنافس هو موضوع متكرر في التاريخ الإنساني يكشف عن الطبيعة المفترسة وأنانية النوع الإنساني، وبينما تدافع العقائد الدينية في معظمهما عن التسامح والتعاطف، إلا أن مبدأ داروين الذي يقول إن “البقاء للأصلح” هو المهيمن على روحانيات العالم.
ومن ثمَّ لا يكون مفاجئًا أن يكون هناك نوع آخر من الحرب، في الوقت الذي تفرض فيه قوة السلاح الحدود والاتفاقيات والديون.
من أحد الجوانب، نحن نلاحظ أن هناك الكثير من محاور الشرق/الغرب التي تتحكم بها الصين في الشرق والولايات المتحدة في الغرب، ومن الواضح أن التنافس الاقتصادي والجغرافي السياسي الهائل الحالي هو بين الدولتين، مع وجود اضطرابات داخلية في الولايات المتحدة وصعود الصين وسعيها لحل محل الولايات المتحدة كقوة عظمى عالمية، حيث تتبنى الصين بقوة خطط للاستحواذ على الأصول واستراتيجيات استعمارية في أماكن مثل كندا وفي كل أنحاء أفريقيا وأمريكا الجنوبية، وتسعى الولايات المتحدة للبقاء على صلة وثيقة بالساحة السياسية العالمية حتى في ظل ترنح اقتصادها وتدهور قواتها المسلحة، وقد كان تصدير الاقتصاد الصناعي إلى الصين هو الخطأ الأساسي الذي أعطى الصين القوة الاقتصادية للصعود ومنافسة الولايات المتحدة.
هناك ثغرات في الهيمنة العسكرية الأمريكية، وأصبحنا نرى عيوب ما يتم تحقيقه عسكريًا كما ظهر جليًا في فيتنام والعراق وأفغانستان، حيث يشير التاريخ إلى أن الغزو الأمريكي سببًا في زعزعة الاستقرار بسبب عدم المتابعة، وفي نفس الوقت، كانت الصين تركز على تحقيق هيمنة كاملة على الصناعة والصناعات التحويلية، كما في سلسلة دولاراما، هذه المتاجر هي شمال أمريكية، لكن البضائع الموجودة بها صينية المنشأ بشكل حصري تقريبًا، كما أنها تسيطر بشكل محكم على مجموعة ضخمة من أصول السلع في أفريقيا، حيث يستعدون لنهاية اللعبة متعددة الأجيال التي سوف تحدد الهوية الوطنية، وتقوم الصين الآن بإملاء أسعار الليثيوم والأتربة النادرة، ويقال أيضًا النحاس والفولاذ والنيكل والحديد.
الإستراتيجية الأخرى في اللعبة الصينية طويلة الأجل هي الاستعمار، وهناك عدد قليل من الدول لم ترسخ فيه الصين أقدامها بشكل كامل، وكندا مثال على سوق العقارات الذي أسهم تدفق رأس المال الصيني إلى سوقه المفتوح في تغيير دينامياته الأساسية المعتادة بشكل كامل، والمحاولة الحالية لوضع حدود للقوة واسعة الانتشار في فانكوفر من خلال فرض ضريبة بنسبة ١٥٪ على المشترين الأجانب، كان لها أثرًا متوقعًا في جذب مزيد من المشترين الصينيين وتعذر دخول الكنديين لهذا السوق.
لقد ولى زمان أمريكا، واحتضان كندا للاستثمار الصيني والوضع الأفضل للهجرة، افترض أنه سيعمل على توازن القوى بشكل ما؛ فالولايات المتحدة سوف تصبح أكثر انحسارًا إذا نجح ترامب. وحتى إن لم ينجح، فإن الشرعية التي حصل عليها الكارهين للإسلام والذين هم أعضاء لحملة ترامب، سوف تخرج ترامب آخر عاجلاً وليس آجلاً، وسوف تصبح الولايات المتحدة كقوة عظمى عالمية طي النسيان.
وفي نفس الوقت، يتم إخراج العائلات في كندا من العقارات المستأجرة بمعدل مثير للقلق، حيث ينتهز مالكو العقارات فرصة زيادة أسعار العقارات بسبب المشترين الصينيين، وتوافق الحكومة على هذه الظاهرة وتدعمها، وتتطلب سياسة الصين في فتح جبهات هجومية جديدة مثل مجموعة جزر سبراتلي إعادة تقييم مستمرة للأولويات العسكرية الأمريكية، وهذا في رأيي جزء من البرنامج، كما يقول سون تزو في “فن الحرب” في إشارة للعدو: “إذا بدأ في الراحة، فلا يمنحه إياها، وإذا توحدت قواته فرقها”.
وجزء من نظرية الحرب الباردة هو الإيحاء بأنه ليست هناك حرب، “إن الحرب كلها قائمة على الخداع”، كما يقول سون تزو، ويتوقف مستقبل الأسواق العالمية على نتيجة الحرب الباردة بين هاتين المؤسستين الجيوسياسيتين العملاقتين.
فايننشال بوست