الضفّة الغربيّة تُشعِل فتيل المُواجهات.. وعمليّة الدهس وإطلاق النّار على جُنود الاحتلال في القدس مجرّد البِداية
اشتعلت الأراضي الفِلسطينيّة في الأيّام القليلةِ الماضية، وباتت المُواجهات بين المُحتجّين الفِلسطينيين وقوّات الأمن التّابعة للاحتِلال الإسرائيلي هي العُنوان الأبرز احتِجاجًا على صفقة العار.
الفِلسطينيّون عندما ينزِلُون إلى ميادين المُواجهات فإنّهم الأقوى شكيمةً، والأكثر عزمًا، ولا يتردّدون في استِخدام كُل ما هو مُتاح لهم من وسائل المُقاومة للتّعبير عن غضبهم، وليس من الاحتِلال وجرائمه، وإنّما أيضًا تُجاه الحُكومات، وليس الشّعوب العربيّة، التي خانت قِيَمها وعقيدتها، وانخَرطت في عمليّاتِ تطبيعٍ فاجرةٍ مع حُكومة الاحتِلال.
أُصيب الخميس 14 إسرائيليًّا بجُروحٍ بعضها خطيرة من جرّاء عمليّة دهس بسيّارة نفّذها شابٌّ فِلسطينيّ في القدس الغربيّة المحتلّة، فيما استشهد ثلاثة شُبّان في مُواجهاتٍ في مدينة جنين، وقذْف الجُنود الإسرائيليين بالحجارة بات المشهد المُشترك في مُعظم المُدن، إن لم يَكُن كلّها.
جميع الجرحى الإسرائيليين كانوا جُنودًا، بينما الشّهداء من الجانب الفِلسطيني كانوا شَبابًا عُزّل الأمر الذي يَعكِس الفارِق الأخلاقيّ الكبير بين الجانبين، رغم الفارِق الكبير في مَوازين القِوى.
الضفّة الغربيّة تتململ، وشُبّانها الشّجعان أعلنوا التمرّد في وجه الاحتِلال، وعندما تتحرّك بكامِل قوّتها وزَخمها فإنّها لن تتوقّف، هكذا علّمتنا تجارب الانتِفاضتين الأُولى والثّانية، فأهلُها الوطنيّون المِعطاءون لا يبخَلون بالأرواح والرّجال والدّماء دِفاعًا عن كرامتهم وحُقوقهم المشروعة في تحرير تُرابهم الوطنيّ من الاحتِلال.
لا نعتقد أنّه من قبيل الصّدفة أن تتزامن هذه الهبّة الوطنيّة في الضفّة مع عودة إطلاق الصّواريخ وقذائف الهاون، والبالونات الحارِقة من قِطاع غزّة باتّجاه المُستوطنات الإسرائيليّة شِمالًا، فالشّعب واحِدٌ، والألمُ واحِدٌ، والدّمُ واحِدٌ، والتّحرير هو هدفُ الجميع، إنّها الوحدة الوطنيّة والترابيّة المُعمّدة بالدّم والمُقاومة.
الشعب الفِلسطيني يَكظِم الغيْظ، ويتحلّى بالصّبر، ولكن عندما يطفح كيله، وينفجر فإنّه مِثل “البلدوزر” يجرف كُل ما هو أمامه، ويستَبسِل في مُواجهة المُحتلّين، ولا يخشى الرّصاص، لأنّ أبناء هذا الشّعب هم طُلّاب شهادة، ولا يُمكن أن يقبلوا حياة الذُّل والإهانة، هؤلاء أحفاد الرّسول محمد بن عبد الله (ﷺ) وعمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وخالد بن الوليد، والحسين بن علي، وصلاح الدين الأيوبي.
ما يجري حاليًّا في الأراضي المحتلّة من مُواجهاتٍ مع قوّات الاحتِلال الإسرائيلي هو مجرّد البِداية، والرّد الأوّلي، على صفقة العار التي يُريد ترامب ونِتنياهو وحُلفاؤهم العرب فرضها على الشّعب الفِلسطيني ولن ينجحوا، لأنّهم لا يَعرِفون هذا الشّعب، وبأسه، وإرثه العظيم في مُقاومة المُحتلّين ومُؤامراتهم.
سيأتي السّلاح حتمًا إلى الضفّة الغربيّة، وربّما تكنولوجيا الصّواريخ والطّائرات المُسيّرة أيضًا، مِثلما وصل إلى قِطاع غزّة المُحاصَر والذي لا تزيد مِساحته عن 150 مِيلًا مُربّعًا، أضاف إليها رجال المُقاومة ربّما أكثر من النّصف أنفاقًا، ومُدنًا تحت الأرض، ومِثلَما كان يتوسّل شمعون بيريس، رئيس الوزراء الإسرائيليّ الأسبق، أُسبوعًا من التّهدئة أثناء انطِلاق شرارة الانتِفاضة المسلّحة الثّانية، سيُكرِّر نِتنياهو الطّلب مرّةً ثانيةٍ وثالثة، ولن ينخدع الشعب الفِلسطيني مرّةً أُخرى بحيل وأكاذيب اللّجنة الرباعيّة الدوليّة وخُطط طريقها، وسيُلغِي اتّفاقات أوسلو، وكُل ما تفرّع عنها من تعاونٍ مع الاحتِلال.
27 عامًا مُنذ توقيع اتّفاق أوسلو والشّعب الفِلسطيني ينتظر السّلام والمُجتمع الدولي، وتمخّض هذا الانتِظار عن صفقة العار، ولعلّ الجانِب الإيجابي مِنها أنّها أسقطت كُل الأقنعة، وفضحت التّواطؤ الدوليّ، وأُكذوبَة سَلامِه، ولهذا لن نُفاجأ إذا ما جاءت الانتفاضة القادمة مُسلّحةً مِثل سابِقتها، فلم يبقَ للشّعب الفِلسطيني ما يخسره.
نحنُ والشّعب الفِلسطيني مع السّلام العادل، هذا الشّعب الذي قدّم كُل التّنازلات المُمكِنة للوصول إليه وحقن الدّماء بالتّالي، ولكنّه ليس السّلام المغشوش والمَسموم الذي حمَلته صفقة القرن، وعلى العالم الغربيّ الذي حاضَر ويُحاضِر بالاعتِدال أن يتَحمّل مسؤوليّاته.
سيندم نِتنياهو على غطرسته، وسيندم ترامب وصِهره كوشنر على صفقة عارهم، ولعلّ الأكثر نَدمًا سيكون المُطَبِّعون العرب الذين اعتقدوا أنّ الشّعب الفِلسطيني استسلم، وهروَلوا سَعيًا للصّداقة والحِماية الإسرائيليّة دون خجلٍ أو حياء، وكم كانوا مُخطِئين وقصيري النّظر، الصّفقة لن تَمُر، وكُلُّ بِحار ومُحيطات المِنطقة الأبيض والأحمر والهنديّ لن تَغسِل عارَهم وخطاياهم.. والقادِم أعظم.
صحيفة رأي اليوم الألكترونية