الطباعة ثلاثية الأبعاد تعيد أمجاد الآلات الموسيقية التاريخية
باشر متحف الموسيقى في دار فيلارموني في باريس “استنساخ” آلات موسيقية قديمة لحفظها بطريقة أفضل من خلال الاستعانة بالطباعة الثلاثية الأبعاد في عملية أشبه بآلة موسيقية تعود بنا في الزمن.
تلقى تقنية الطباعة الثلاثية الأبعاد رواجا متزايدا في مجالات عدة منذ مطلع الألفية وباتت الآن تنتشر في أوساط صنع الآلات الموسيقية وتثير اهتمام الحرفيين.
ويضم متحف الموسيقى مجموعة لافتة من حوالى سبعة آلاف آلة وقطعة فنية قديمة من بينها ناي مصنوع من عظام طائر العقاب يعود إلى 2500 سنة وبيانو عائد لشوبان وغيتار للمغني براسينس. وقد اختبر المتحف قبل فترة قصيرة استنساخ ناي مستعرض يعود لمطلع القرن الثامن عشر.
وكانت النتيجة خادعة للغاية.
ففي مختبر المتحف قامت مينا جانغ الباحثة في الموسيقى الباروكية وعازفة الناي المحترفة، بتجربة أمام صحافيي وكالة فرانس برس من خلال عزف المقطوعة نفسها مع نسخة عن الناي الأصلي (2001) والناي المستنسخ بالأبعاد الثلاثة (2019).
وأوضحت العازفة الكورية البالغة 35 عاما التي اعدت ماجيستير في الموسيقى والتراث في جامعة فرساي-سان كانتان-إيفلين “خلال تقديم اطروحتي عزفت على الآلتين من وراء حاجز… وقد استغربت اللجنة الفاحصة لأنها لم تجد فرقا بين صوت الآلتين”.
السفر في الزمن
أما الناي الأصلي والقديم فمحفوظ وراء واجهة زجاجية وهو من صنع جاك-مارتان أوتير (1673-1763) صانع الآلات الموسيقية الشهير.
وقبل الطباعة أجري مسح للآلة بالأشعة السينية بفضل مركز الأبحاث والترميم في متاحف فرنسا لتحديد خصائص هذا الناي.
وأوضحت مينا جانغ “الفكرة في الأساس كانت تقوم على معرفة كيفية التوصل إلى نسخة عن آلة بسرعة مع احترام الناي الأصلي”.
وتستغرق الطباعة 24 ساعة أما الحرفي فيحتاج إلى شهر على الأقل لصنع الآلة. يضاف إلى ذلك أن الطباعة الثلاثية الأبعاد أقل كلفة بكثير فهي تكلف مئات اليوروهات في مقابل بضع آلاف لدى الحرفي.
إلا أن هذا المسعى يندرج خصوصا في إطار حفظ التراث على ما أكد ستيفان فايدليك المسؤول عن متحف الموسيقى الذي تعاون أيضا مع مؤسسة العلوم من أجل التراث ومعهد جان-لو-رون-دالمبير في السوربون.
وأوضح “الطباعة بالأبعاد الثلاثية لا تهدف إلى الحلول مكان صانعي الآلات الموسيقية”.
وأضاف “تقوم الفكرة على إعادة تشكيل الآلة التاريخية كما هي وجعل الجمهور يستمتع بصوتها وإحياء مجموعة كاملة من الآلات التراثية”.
وأكد “هذه أداة رائعة للسفر في الزمن والاطلاع مجددا على أعمال موسيقية قديمة” مشيرا إلى أن آلة ناي أخرى استنسخت أيضا.
وأشار إلى أن هذه التقنية معروفة “إلا أن أي متحف آخر لم يجر تجربة على المستوى العلمي”.
وثمة حالات فريدة لفرق موسيقية تعزف على آلات قديمة مثل فرقة “لي سييكل” إلا أن هذا العزف يشكل خطرا لأن هذه الآلات لا تتحمل الرطوبة. وأوضح فايديليك “يؤدي ذلك إلى تمدد الخشب وإلى كسر” الآلات.
لكن هل نغمة الناي المصنوع من خشب الشمشاد الخشبي هي نفسها الصادرة عن ناي بلاستيكي؟ أكد فايديليك “قد يختلط الأمر على المستمعين. أما الإحساس عند مستوى الشفاه فقد يكون ثمة فروقات طفيفة”.
وكان الناي المستعرض أول مثال لأنه الأسهل “فالجزء الأساسي كن نفس العازفين يمر خارج الآلة خلافا لآلة أوبوا. لذا فإن المادة المستخدمة في صنع الآلة أقل اهمية على رنة الآلة”.
وبطبيعة الحال تطرح مع استخدام البلاستيك المسألة البيئية. وقال فايديليك “في الأوضاع المثالية ينبغي الطباعة مع مواد مستعادة”.
وماذا عن الحرفيين؟
قالت فاني ريري مينار نائبة رئيسة الغرفة النقابية للالات الموسيقية إن النقطة السلبية الوحيدة هي المادة المستخدمة.
وأوضحت لكالة فرانس برس “بالنسبة للحرفيين لا يمكن مقارنة البلاستيك بالخشب. وبالنسبة للكمان يمنح صندوق الصوت الخشبي، الميزة للآلة وهذا أمر أساسي”.
لكن الطابعة الثلاثية الأبعاد بالنسبة لها “فرصة رائعة ولا تشكل خطرا بل هي أداة جيدة لتشارك المعلومات والنماذج بين الحرفيين” في الحالات التي ينبغي فيها إضافة خصائص شخصية وفق حاجة العازف.
وتوضح “بعض الأجزاء تكون أفضل لو تم تكييفها بحسب حاجة العازف مثل عصابة الذقن في الكمان أو فم الالآت النفخ”.
ميدل إيست أونلاين