العالم من شرفة الأمم المتحدة: (نظام قيم) بلا قوة. و(جنون تسلطية) بلا حدود!!
د. فؤاد شربجي

تنتهي أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة راسمة المشهد العالمي بكل مفارقاته الكارثية. ومنذ اليوم الأول اتضحت الصورة. فقد دعا كل من الأمين العام الأمم المتحدة انطونيو غوتيريش ورئيسة الجمعية العامة الينا بيربوك إلى تطوير (نظام القيم العالمي) باحترام الميثاق والعمل على تحقيق الأمن والسلم الدوليين، وإصلاح الأمم المتحدة بحيث تتصدي إلى القضايا المستجدة من المناخ إلى حقوق الإنسان إلى إدارة الذكاء الاصطناعي إلى قضايا الهجرة. ولحق الأمين العام ورئيسة الجمعية العامة الرئيس البرازيلي الذي دعا إلى (تعد دية الأقطاب في وجه التسلطية). وأكد على ضرورة مكافحة الجوع في العالم. ولكن لوحظ من كلام الأمين العام أن دعوته إلى نظام القيم منزوعة القوة. حيث قال أن مقابل كل دولار يصرف على أعمال الأمم المتحدة ينفق 750 دولارا في إنتاج السلاح. أي أن نسبة قوة نظام القيم إلى قوة التسلطية بمعدل واحد إلى 750.
مباشرة بعد الأمين العام و رئيسة الجمعية والرئيس البرازيلي جاء الرئيس ترامب الذي بدأ بهجوم لاذع على الأمم المتحدة وما تفعله بدءا من تعطل السلم الكهربائي الذي أخره واتعب زوجته. إلى تعطل تشغيل نظام القارئ الآلي الذي أربكه. وصولا إلى استنتاج الرئيس ترامب أن الأمم المتحدة لا جدوى منها إطلاقا. بالعكس هي كما رأى تتأمر وتخرب. ورأى أن موضوع الطاقة النظيفة مؤامرة بائسة وكاذبة. وقضية المناخ اخترعها علماء أغبياء. وشراء النفط الروسي ما هو إلا تمويل لبوتين في حربه ضد أوكرانيا. وعند هذه النقطة خاطب ترامب قادة الغرب بأنهم يقودون شعوبهم إلى الكارثة. كما أنه اتهم الأمم المتحدة بتشجيع الهجرة التي رأى أنها تسمم الغرب. كما اتهمها بالتلاعب بالأمراض والصحة. وأفتخر أنه انسحب من منظمة الصحة العالمية، ومن اتفاقية المناخ، ومن مجلس حقوق الإنسان ليقرر أن الأمم المتحدة أصبحت عائقا في وجه تقدم العالم. ولا تقدم شيئا. وقرر أنه وحده أوقف سبع حروب ولم يتلقى من الأمم المتحدة ولا حتى هاتف شكر. وبالنتيجة يمكن اختصار صورة الأمم المتحدة التي قدمها ترامب على أنها (منظمة مخربة. تتآمر على الغرب والاقتصاد بقضايا المناخ والطاقة النظيفة والهجرة والصحة. وهي منظمة فاسدة تصرف الأموال بلا طائل بل بشكل سلبي ومضاد). ولم يبق إلا أن يفرض عليها – على الأمم المتحدة – العقوبات باعتبارها منظمة إجرامية كما يرى. وربما إرهابية بحقه. وكان واضحا من نبرته أنه يريد ان يقول للعالم (بوجودي أنا ترامب لا حاجة لكم للأمم المتحدة. أنا منقذكم. وسأفعل. لأنني قررت ذلك. إنها تسلطية واضحة حتى في الإنقاذ. وإمعانا في التسلطية تحدث ترامب لمدة 56 دقيقة بدلا من 15 الوقت المحدد لكل متحدث. أي انه تسلط على الوقت المحدد وتجاوزه بأربع أضعاف المقرر له.
استكمالا للتسلطية التي طرحها ترامب جاء نتنياهو ليمزج بين اسمه واسم الرئيس الأمريكي ترامب في كل عمل انجزه. من قصف إيران وتدمير قدراتها النووية، إلى تدمير حزب الله، إلى تهيئة سقوط نظام الأسد، إلى حربه لتدمير حماس وتهجير شعب غزة. وخرج نتياهو متلفع برداء التسلطية ليخاطب قادة العالم وزعماءه (أنتم تعترفون بالدولة الفلسطينية. وأنا سأدمر غزة وأضم الضفة غصبا عنكم. أنتم تريدون أن تعزلوا إسرائيل. إسرائيل بتحالفها مع ترامب ستحاسبكم على لاساميتكم. تريدون سلاما في الشرق الأوسط. إسرائيل ستجعله منطقة خاضعة للهيمنة الإسرائيلية بكل السبل. وهذا هو السلام الذي سنفرضه. نتانياهو كان التعبير الهمجي عن التسلطية المدججة بكل شياطين التكنولوجيا والمكر العسكري والمخابرات.
هكذا بدأ مشهد العالم من شرفة الأمم المتحدة. الكون يريد إصلاح المنظمة الدولية بتفعيل نظام قيم الحق والعدالة والمساواة مقابل تسلطية ترامبية نتنياهوية تريد إخضاع الكون لهيمنتها، وتطلب من الجميع الخضوع والإذعان. والأنكى أنها تريد من العالم وقادته التوسل إلى سيد البيت الأبيض أن يحن على الكون. ويستمر برعايته ولو عبر تسلطيته. يبدو أن مع تفاقم التسلطية تتفاقم هوان القوى المواجهة لها.!!
البعض رأى في هذا المشهد (مكر التاريخ)، وفي هذا تدليع للكارثة وتغنيج للجريمة، لأن هذا المشهد ليس إلا شكلا من أسوأ أشكال (جنون السياسة وهيستيريا سياسيين) المعبر عنهما بانفلات التسلطية الشرسة العدوانية .
بوابة الشرق الأوسط الجديدة