العدالة لا أكثر

ــــ ١ ــــ

لم يكن مهتماً بقضية البشير غير الطغاة وإسرائيل.

إسرائيل أكثر ربما بعدما فتح التحقيق في القضية المقدمة من السلطة الفلسطينية أمام المحكمة الجنائية الدولية. وبرغم أن التحقيق ما زال طي الكتمان إلا أن السياسة تسابق العدالة… وخروج الرئيس السوداني المتهم بالإبادة الجماعية في دارفور بعد إدانته بقتل 300 ألف وتشريد أضعافهم.

إسرائيل كانت مهتمة بعدما تقدم وزير العدل الفلسطيني والمدعي العام المعتمد لدى محكمة غزة بوثائق القضية (التي قد تدين حسب مصادر في المحكمة الدولية تنظيمات فلسطينية من بينها حماس والجهاد الإسلامي…)… وهذا الاتجاه إلى العدالة… تتكاتف حكومات عربية وغربية لكي يتحول إلى «ورقة تفاوض» يحصل فيها الجانب الفلسطيني على بعض مكاسب، في مقابل التنازل عن القضية. وتصل الضغوط إلى درجة منع فرق التحقيق من الوصول إلى غزة.

القضية نقلة نوعية في ملف فلسطين، من موقعها في «الاحتقان المميت»، ومن تحولها إلى قضية صراع داخلي بين «السلطة» و «حماس» يتخذ أحياناً طابعاً بيروقراطياً، وأحياناً باستعراضات السلاح، والأهم أن النقلة تخص توسيع القضية بعد أن ضيّقتها السيطرة الإسلامية لتصبح «مسلمين» و «يهود»… وهي نقلة تتم عبر «أنسنة» الصراع الذي يعبِّر عنه بيان وقّع عليه حتى الآن أكثر من 60 ألف شخص ضد محاولات الضغط لتعطيل القضية، يبدأ بهذه الجمل:

نحن كمواطنات ومواطنين من هذا العالم، ندين تلك التحركات، ونقف ضد موقف حكّامنا، داعمين القضية المرفوعة من قبل فلسطين لمحكمة الجنايات الدولية، كجهة مؤهلة وحيدة للحكم في الجرائم الأكثر خطورة، تلك المرتكبة في فلسطين بشكل عام وفي غزة على وجه الخصوص.

إن الحق والعدالة ليسا من القضايا الخاصة بالقادة السياسيين أو القانونيين المتخصصين فقط، وإنما هما بالأساس قضيتا الإنسانية بأسرها وكل من هو معني بالجرائم المرتكبة في غزة.

ــــ 2 ــــ

إنه «ماراثون» بلا نهاية… لا منتصر فيه..

ولهذه العدالة مدخل يستحق التفكير فيه… بعدما قادت السياسة (بمعناها استخدام القوة… وفرض الخيارات) إلى متاهة لن ينتصر فيها أحد…

كل صراع/ أزمة/ كارثة/ فوضى… في المنطقة وبعد اشتعال يذهب فيه مئات وآلاف الضحايا يصل إلى نقطة «غامضة» من السيولة، انتخاب رئيس في لبنان أو حرب أهلية في ليبيا، أو صراعات سلطة في مصر، وحتى رغبة «إمبريالية» إقليمية كما تفعل السعودية.. في اليمن وما حولها…

كأن المنطقة يبتلعها ثقب كبير، أو تتوه في سديم من العبث المرعب، وهنا لا تنطبق الأسماء على مسمياتها، وما يسمى سياسة هو شفرات سرية تُغرق أصحابها وخصومهم معاً.

لا أحد يستحق الانتصار ولا «موديل» يمكن الاحتذاء به، ولا قوة قادرة على فرض هيمنتها، خاصة بعدما أفرزت السنوات الأخيرة، النهايات التي أدت إليها المسارات التي عاشت المنطقة في جاذبيتها، مسار الحالمين بالخلافة وصل إلى نهايته مع «داعش» ولم يعد لا «الإخوان» ولا «موديل» المملكة العائلية قادراً على تكوين بديل له، كما أن عودة خيار الجنرالات في حكم مصر والجزائر هو آخر المدى في حكم «مؤسسات السلاح»…

وصلنا إلى آخر مدى…. فماذا بعده؟

ــــ 3 ــــ

العدالة التي تعني قوة المجتمعات بعدما تآكل العالم القديم الذي يتغذى عليه أمراء الحروب بمختلف أنواعها…

العدالة التي لا تترك إسرائيل تلهو بجرائمها بينما يكتفي الجميع بغناء الأناشيد الحماسية أو البكائيات المريرة…

ولا تترك حاكماً يقتل أو يبيد شعوباً من أجل أن يبقى خالداً على كرسيه…

أو تتصور طائفة أو مذهب أو جماعات أنها قادرة على ابتلاع كل الأطراف الأخرى…

لا أحد سينتصر، بالتأكيد، لكن من هي القوة التي يمكنها أن تحمل شيئاً بعد الخراب؟

صحيفة السفير اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى